وكل ما أثر عن الحكماء من المذاهب والنصائح فإنما هو من الوصايا التي تساق إلى كل حاكم على كل نظام من أنظمة الحكم الملكي أو الجمهوري أو الفردي المستبد أو الشوري النيابي، أو ما شئت من الأنظمة العتيقة والمبتكرة. فما من حاكم إلا يجوز أن يقال له: إن العدل خير من الظلم، وإن الكفاية، أولى بالاختيار من الحظوة الشخصية، وإن القوانين عصمة الملك ورضى الرعية، وما لم يكن هنالك برنامج مفصل يصلح لنوع من الحكومات ولا يصلح لنوع آخر، فلا محل للانقلاب من جراء تلك المذاهب التي يسلمها من يسلمها، أو يناقشها من يخالفها مناقشة النظر والدراسة.
ومرجع النقص في عوامل التطور هنا إلى سببين على الأرجح: أولهما العزلة عن العالم، وأحداثه الفعالة بين الأمم القريبة والبعيدة، وثانيهما العزلة الداخلية، ونعني بها عزلة الحكومة المركزية عن الأطراف القاصية وعن مباشرة التفصيلات في أدنى الولايات وأقصاها على السواء.
فالبلاد التي تشرف فيها الحكومة على تفصيلات الحكم في كل إقليم من أقاليمها يتطور نظامها الحكومي عند كل تطور عظيم يطرأ على المجتمع؛ لأن الحكومة فيها هي كل شيء بالنسبة إلى الأعمال العامة، فلا مناص من تغيير نظامها كلما تغيرت مطالب المجتمعات التي تتولاها.
وهذه حالة غير حالة البلاد المترامية الأطراف، فإن العلاقة بين أقاليمها وحكومتها المركزية تتراخى فلا تشرف هذه الحكومة على تفصيلات الحكم في الأقاليم، ولا يتحتم انقلابها كلما طرأ على هذه التفصيلات طارئ جديد.
فإذا لم يكن ثمة طارئ جديد فالانقلاب من باب أولى ليس بالحتم المقضي لا محالة، وقد كانت بلاد الصين جميعا بمعزل عن العالم وأحداثه وتغييراته، وكانت مكتفية بنفسها فخورة باكتفائها، فلا تسقط فيها الحكومة المركزية إلا إذا عجزت عن حماية نفسها وتفاقمت مساوئها فخذلها من كان ينصرها.
ودام الحال على ذلك عشرات القرون ...
ثم مرت بالبلاد عشرون سنة بدلت كل شيء غاية التبديل، فلا عزلة عن العالم الخارجي، بل لجاجة في الاتصال واشتباك العلاقات، ولا استغناء عن الحكومة المركزية في كبير الأمور أو صغيرها، بل هي الحكومة التي لا بد من صلاحها أو تغييرها: تغييرها هذه المرة تغيير التطور في النظام وفي جملة السياسة وتفصيلاتها.
وهبت في البلاد ثورات، ولكنها كانت من ثورات التاريخ الماضي، وعلى سنته البالية، فلم تفلح ولم تغير شيئا؛ لأنها هي نفسها أحوج ما كان إلى التغيير.
وانتظرت البلاد ثورة من التاريخ الحديث.
فجاءتها الثورة من تاريخ العصر على يد الرجل الذي سمي بحق أبا الصين الحديثة، وسمي بحق نبي الوطنية في الصين.
Unknown page