فلما خسر عيسى الدور رغم حوزه ثلاث عشرات، قال للشيخ متغيظا: كلمة منك تنحس بلدا.
فقال السلهوبي ضاحكا: كلام فارغ، ها أنا ألاحق العهد الحاضر بكلماتي المباركة منذ مولده، فماذا حصل له؟!
وانهمك في اللعب بمجامع روحه، واستمتع بالحرارة والحماس والأمل والاندماج في حيوية فاترة، ونسي كل شيء حتى التاريخ نفسه ونحسه، وعايش اللذة في جنونها، وتجمع على المائدة مبلغ لا يقل عن سبعة جنيهات، وتعلق أمله بفردة آس، وسحب ورقة فإذا الآس يضحك بين يديه بوجهه الأحمر، فول آس، ولكن إبراهيم خيرت رمى بكاريه كالصاعقة، وسرت تقلصات عدة في جهازه العصبي، كيوم أعلن حل الأحزاب، وتساءل: ماذا تصنع زوجه في هذه اللحظة؟ هل يدور الكلام بينها وبين أمها؟ لعل العجوز تقول لها: رضينا بالهم، والهم لا يرضى بنا. وستقول أيضا: عاطل ومرفوت لسوء السمعة ولا يحمد ربنا، الويل لها إذا تحدته، امرأة مزواجة وعاقر. بحكم الطبيعة هي عاقر وبحكم السن. أنسيت أنك تكبرينني بعشرة أعوام على الأقل!
وانتبه من غيبوبته إلى حديث يستطرد فيه الشيخ السلهوبي قائلا: لذلك فنحن في عصر مبادئ، كالحال أيام الصراع بين الديانات الكبرى.
فتساءل سمير عبد الباقي: والأمم الصغيرة أي أمل لها في الحياة إن لم تختلف الأمم الكبرى؟
فقال الشيخ بيقين: الذرة هي الطوفان، فإما توجه حقيقي لله ذي الجلال وإما الهلاك المبين.
وحاول عيسى أن يتذكر متى ارتطم بهذه الفكرة - فكرة الطوفان - من قبل؟ ثم أهمل التذكر حين وجد بين يديه كاريه عشرات! توثب لتعويض خسارة الليل الطويل، وفتح بخمسة وعشرين قرشا ليجرهم إلى الاشتراك في الدور، ولكنهم انسحبوا تباعا لعقم الورق بين أيديهم، ودار رأسه، ثم كشف عن الكاريه السعيد. وصارح إبراهيم خيرت: حظك في الربح أسوأ منه في الخسارة.
وقال الشيخ السلهوبي: أنت سعيد في الحب بلا شك.
وأوشك أن يثور، وقال لنفسه إن القمار يتحول في النهاية إلى حمى مميتة، وبدأ يعمل حسابا للأزمة التي تتربص له في البيت، وكف الجميع عن اللعب والفجر يقترب.
وتساءل عباس صديق وهو ينهض قائما: ما طعم رأس البر بلا قمار؟
Unknown page