Sultan Muhammad Fatih
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Genres
ويصف المعاصرون كثرة الأغذية والعتاد الحربي في معسكرات الجنود وكذا دواب الحمل والنقل، ولم تعن دولة لا في أوروبا ولا في بقية أجزاء العالم في ذلك الوقت مثلما عني العثمانيون من ناحية إعداد الجنود وتدريبهم ونظامهم وغذائهم وملبسهم ومكافأتهم.
لم يوجد في نظام الحكم هذا شيء يعرف بالوراثة، فكل الحقوق والامتيازات التي ينالها الأفراد شخصية لا تورث من بعدهم، فالنظام العثماني الحاكم لا يعرف الوراثة، ولا يعترف بغير الكفاية والجدارة الشخصية، ومن هنا كان الباب مفتوحا أمام الكفايات، ووجدت الهمم ما يحفزها ويكافئها، ولم تتركز القوة أو السلطة في يد عائلة واحدة أو عائلات قليلة كما هي الحال في البلاد الأوروبية، فلم تكن هناك أرستقراطية ثابتة متوارثة - كما هي الحال عند المسيحية - وإنما الأرستقراطية الموجودة هي أرستقراطية للكفاية والجدارة والعلم. فالدولة في عهدها الأول قوة يسيطر فيه السلاطين على كل شيء، ورعيتهم كلها مستوى واحد هي رعية السلطان، تتساوى أمامه، ويرعى أفرادها بعنايته، وأكد هذه المساواة الدين الإسلامي، فهو يقول بتساوي الناس جميعا، فلم يجد الأتراك غضاضة إذا رفع السلطان أضعفهم وأفقرهم إلى أعلى مراتب الدولة، فهناك شعور عام بالمساواة بين رعايا السلطان.
وعناية الحكومة كما ذكرنا كانت موجهة إلى الدفاع عن نفسها داخل البلاد وخارجها، ثم توسيع رقعة البلاد والعمل على زيادة عدد سكانها؛ وذلك عن طريق الحرب في دار الحرب، وهنا تظهر قوة الدافع الديني، فقوة الدولة هي قوة الإسلام، وفتوحات الدولة هي فتوحات الإسلام، وهنا تظهر أيضا قيمة الحرب في ضمان رفاهية السلطان وتابعيه من هيئة الحكومة بما يحرز في الحرب من غنائم وأسلاب.
ووظيفة هذه الحكومة بعد الاضطلاع بأمور الحرب وفنونها العمل على إنماء النظم التي تسير عليها، وتنظيم الدولة والحصول على المواد اللازمة لقيام الحكومة وبقائها، وفض المنازعات التي تنشأ بين رعايا الدولة والتي لا يستطيع نظام الملات - الذي سنتكلم عنه - الفصل فيها.
ومن أسباب قوة الدولة حياة البساطة التي كان يعيشها السلاطين الأول، فلم يهتموا كثيرا بمظاهر الأبهة والمدنية كما اهتم قبلهم الفرس أو البيزنطيون، أو كما اهتم بها السلاطين المتأخرون، فكانوا حريصين على اتباع أوامر الدين ونواهيه، وكانوا يذهبون إلى الصلاة فرادى في ملابس عادية لا يميزهم في المساجد عن غيرهم من الأفراد شيء؛ إلى حد أن الأجانب ما كانوا يستطيعون التمييز بينهم وبين سائر الناس، هذه البساطة كانت من مظاهر القوة إلى أن فتح السلطان محمد الثاني القسطنطينية، فلم يعد سلطان الأتراك سلطانا للأتراك فحسب، بل أصبح بجانب ذلك خليفة للإمبراطور البيزنطي فبدأت تدخل الحكومة العثمانية مظاهر الأبهة والعظمة.
موقف أوروبا إزاء سقوط القسطنطينية
لقد استولى الذعر على أوروبا حين علمت بسقوط القسطنطينية في يد الأتراك العثمانيين، هذه المدينة التي أسسها قسطنطين والتي قامت بحماية المسيحية.
قد يفترض بعض المؤرخين الأوروبيين أنه لو اتفقت أوروبا المسيحية فيما بينها وبعثت بالنجدة في الموقف المناسب لربما تأخر سقوط القسطنطينية، بل ربما لم يستطع الأتراك الاستيلاء عليها كلية ولا تهديد وسط أوروبا وفينا.
وهذا افتراض لا يقوم على أساس صحيح، فلقد كان للأتراك كما رأينا كل وسائل الانتصار في ذلك الوقت: القيادة الممتازة، والقوة الساحقة، والعزم الصادق، والمركز الاستراتيجي، فكانت ممتلكاتهم تحيط بالعاصمة الإغريقية من كل مكان.
ثم إن الأتراك استطاعوا أن يقضوا قضاء عزيزا مقتدرا على كل الدول القريبة من بيزنطة والتي ربما وقفت حجر عثرة في سبيلهم، لقد قضوا تماما على قوة الصرب التي كانت تبشر بمستقبل كبير في البلقان، وقضوا على قوة البلغار، وسيطروا على البلقان سيطرة لا ينافسهم فيها أحد، ولم تستطع المجر القيام بأي خطة هجومية بعد موقعتي ورنه وقوصوة، هاتين الموقعتين اللتين انهزمت فيهما المجر انهزاما ساحقا.
Unknown page