Sultan Muhammad Fatih
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Genres
وأما معاصره قسطنطين فقد ولد قبل محمد الثاني بنحو ربع قرن من الزمان ليرث أضخم المسئوليات وأخطرها، ليرث إمبراطورية قد بقي منها الاسم والرمز، وغادرها العز والمنعة، إمبراطورية لم يبق منها إلا مدينة، ولكنها مدينة تملك سحرا وبهاء وجمالا وجاذبية لم تكن لأي مدينة أخرى في أوروبا في أواخر العصور الوسطى.
كانت السنة الأولى التي تولى فيها السلطان محمد الثاني لحظة رهيبة في حياة الإمبراطورية البيزنطية، هذه الدولة التي انحلت قواها أمام هجمات الأتراك المتوالية العنيفة، لقد فقدت هذه الدولة كل ممتلكاتها تقريبا، واستطاع الأتراك - رغم أنفها ورغم أنف الأمم البلقانية - نقل عاصمتهم إلى أدرنة - التي اتخذوها مقرا لحكمهم، ومعسكرا عاما لجنودهم - لشن حروبهم وغزواتهم في كل جهات البلقان، وتمكنوا من الإشراف على المضايق، على الدردنيل وعلى البوسفور، وفرضوا الجزية على الدولة البيزنطية البائسة.
لقد كان مجيء السلطان محمد الثاني مثيرا للرعب والفزع في القسطنطينية؛ فلقد كان أهلها يعلمون حق العلم أنه أقسم ليستولين على هذه المدينة، وأن ذلك سيكون أول مهمة يكرس حياته في سبيل القيام بها. لقد كان الاستيلاء على هذه المدينة الخالدة حلم أحلامه منذ صغره. وكانت عنده القوة العظيمة وأمامه الظروف المواتية للنجاح في تنفيذ مشروعه الخطر.
ما كانت العلاقات العثمانية البيزنطية حينما تولى محمد الثاني علاقات إخلاص وصداقة، فكان الأتراك العثمانيون موقنين بأن البيزنطيين سينقضون مواثيقهم إذا أتت أول فرصة، فكثيرا ما اتفقت بيزنطة مع أعداء العثمانيين إن لم يكن علانية فسرا، وأباطرة بيزنطة ينتهزون كل الظروف للإيقاع بين العثمانيين وإثارة الانقسام بينهم، فهم دائما يعضدون الأمراء الثائرين المطالبين بالعرش العثماني. ومحمد الثاني يذكر جيدا موقف بيزنطة حين أغار التتار. وقسطنطين لم يحسن التصرف حين تولى السلطان الجديد، فلم يعمل على كسب ثقته، بل لقد ظن فيه الضعف، واعتقد فيه التردد والخوف، فتقدم إليه بمطالب أثارت غضبه وحفيظته، فلقد أيقن أن قسطنطين يريد الانتقاص من كرامته وأنه يهدد ملكه، لقد طلب قسطنطين زيادة المرتب الذي يدفعه السلطان للدولة البيزنطية نظير تكفلها بأحد أبناء سليمان بن بايزيد الأول واسمه أرخان، ولمح الإمبراطور البيزنطي بأنه إذا لم يجب طلبه سيطلق سراح ذلك الأمير ليطالب بالعرش العثماني ويثير المشاكل للسلطان الجديد.
إذن فالمسألة مسألة حياة أو موت في نظر السلطان محمد الثاني، فكيف ينسى لقسطنطين ذلك الموقف، وخاصة وأنه كان في ذلك الوقت مشغولا بإخماد ثورة في آسيا الصغرى، ولكنه رد بأدب، وحذر البيزنطيين الضعاف عواقب سياستهم وسوء تصرفاتهم، وبين لهم أن الفرق شاسع بين خلق السلطان الجديد وخلق أبيه مراد، فمراد يمتاز بالهدوء، ولكن السلطان الجديد لا يحتمل الإهانة ولا يصبر على ضيم.
وكان السلطان محمد الثاني قد وطد العزم على فتح العاصمة الإغريقية؛ ولذا رأى توطيد دعائم ملكه قبل القيام بذلك المشروع الخطير.
رأى محمد أن البيزنطيين ليس لهم عهد ولا يمين، فلقد كان يذكر لهم المواقف السيئة في عهد أبيه؛ ألم تؤيد القسطنطينية فعلا مطالبا بالعرش العثماني؟ ألم تمده بالسفن وتسهل له العبور؟ ألم تعمل بيزنطة على إثارة القلاقل ضده في آسيا الصغرى؟ إذن ففتح القسطنطينية والقضاء على هذه الدولة أمر لا بد منه إذا أراد العثمانيون ثبات ملكهم وحرصوا على مستقبلهم.
وكانت حال المدينة العامة سيئة للغاية؛ فهي وضواحيها كل ما اشتملت عليه الإمبراطورية الإغريقية، وليس لديها من الجنود المدربين إلا العدد القليل، وأما من السفن فبضع لا تغني فتيلا في وقت المحن ولا ترد جليلا من الخطوب.
وكثرت البعثات السياسية التي أرسلتها القسطنطينية إلى أوروبا طالبة الغوث والنجدة - كما يقول مؤلف تاريخ الصليبيين في العصور الوسطى المتأخرة
1 - لكن كانت هناك مصاعب عظيمة في سبيل نجاح هذه البعثات، وأهم هذه المصاعب اختلاف الكنيستين الشرقية والغربية، الأرثوذكسية والكاثوليكية، والنزاع بين بيزنطة ورومة.
Unknown page