حزنه على الامام الراحل بما شاع في أكنافه من شيم الانبياء الموروثة في خليفته الجديد ، ولم يكن ثمة أعمل بالتقوى ، ولا أزهد بالدنيا ، ولا أجمع لخصال الخير كلها منه ، لذلك كان الشخصية الفذة التي تتفق عليها الآراء المختلفة عن رغبة وعمد ، وتجتمع فيها عناصر الزعامة كما يجب في قائد أمة أو امام قوم.
وانتهت مهرجانات البيعة في الكوفة على خير ما كان يرجى لها من القوة والنشاط والتعبئة ، لولا ان للقدر أحكاما لا تجري على أقيسة العقول ، ولا تسير على رغائب الانفس ، فكان الجو السياسي في الحاضرة التي تحتفل لاول مرة في تاريخها بتنصيب خليفة ، لا يزال راكدا متلبدا مشوبا بشيء كثير من التبليل المريب ، وذلك هو ما ورثته الكوفة من مخلفات الحروب الطاحنة التي كانت على مقربة منها في البصرة والنهروان وصفين. وفي الكوفة يومئذ انصار كثيرون لشهداء هذه الحروب وضحاياها من الفريقين يشاركونهم الرأي ، ويتمنون لو يسر لهم اخذ الثار ، ويعملون ما وسعهم العمل لتنفيذ اغراضهم.
ومن هذه الاغراض ، الاغراض الصالحة المؤاتية ، ومنها الفاسدة المبرقعة الاهداف التي لا تفتأ تخلق ذرائع الخلاف في المجموع.
اما الحسن وهو في مستهل خلافته فقد كانت القلوب كلها معه لانه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولان من شرط الايمان مودته ، ومن شرط البيعة طاعته.
قال ابن كثير : « وأحبوه أشد من حبهم لابيه (1)».
وكان لا يزال بمنجاة من هؤلاء وهؤلاء ، ما دام لم يباشر عملا ايجابيا يصطدم بأهداف البعض ، أو يمس الوتر الحساس من عصبيات البعض الآخر. ذلك لان الوسائل التي أصبح يعيش بها الاسلام يومئذ ، كانت
Page 66