ووقف بحذاء المنبر في المسجد الجامع وقد غص بالناس ابن عمه « عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب ». ينتظر هدوء العاصفة الباكية المرنة ، التي اجتاحت الحفل ، في أعقاب تأبين الامام الحسن لابيه عليهما السلام .
ثم قال بصوته الجهوري الموروث الذي يدوي في الارض دوي أصوات السماء ، وما كان عبيد الله منذ اليوم ، الا داعي السماء الى الارض :
« معاشر الناس هذا ابن نبيكم ، ووصي امامكم فبايعوه » « يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ، ويهديهم الى صراط مستقيم ».
وفي الناس الى ذلك اليوم ، كثير ممن سمع نص رسول الله صلى الله عليه وآله ، على امامته بعد ابيه. فقالوا : « ما أحبه الينا وأوجب حقه علينا وأحقه بالخلافة ». وبادروا الى بيعته راغبين.
وكان ذلك يوم الواحد والعشرين من شهر رمضان ، يوم وفاة ابيه عليه السلام ، سنة اربعين للهجرة (1).
وهكذا وفقت الكوفة لان تضع الثقة الاسلامية في نصابها المفروض لها ، من الله عز وجل ومن العدل الاجتماعي ، وبايعته معها البصرة والمدائن وبايعه العراق كافة ، وبايعه الحجاز واليمن على يد القائد العظيم « جارية بن قدامة » ، وفارس على يد عاملها « زياد بن عبيد » ، وبايعه الى ذلك من بقي في هذه الآفاق من فضلاء المهاجرين والانصار ، فلم يكن لشاهد أن يختار ولا لغائب أن يرد ، ولم يتخلف عن بيعته فيما نعلم الا معاوية ومن اليه ، واتبع بقومه غير سبيل المؤمنين ، وجرى مع الحسن مجراه مع أبيه بالامس. وتخلف أفراد آخرون عرفوا بعد ذلك بالقعاد.
Page 58