فقالت بتسليم وقنوط: هد حيلي وضيع مالي، ما علينا، متى تجد لي شاريا؟ - إن شاء الله عند أول فرصة.
فقالت في عتاب وهي تنهض: اسمع، إذا زرتك في المرة القادمة فابتسم من قلبك، كل إساءة تهون إلا التي تجيئني من ناحيتك، أنا عارفة أني أضايقك بمطالبي ولكني في ضيق لا يعلم به إلا الله، وأنت أنبل الناس في نظري.
فقال لها معتذرا: لا تتوهمي ما ليس في، الأمر أني كنت مشغولا بمسألة هامة عند قدومك، وهموم التجار لا تنتهي كما تعلمين! - رفع الله عنك الهموم.
فحنى رأسه شاكرا وهو يوصلها، ثم ودعها قائلا: أهلا بك من القلب في كل حين ..
ولمح في عينيها نظرة خابية تفيض غما فرق لها، وعاد إلى مجلسه منقبض الصدر فالتفت إلى جميل الحمزاوي وقال: دنيا .. - كفاك شرها وأطعمك خيرها.
غير أن نبرات الحمزاوي قست وهو يستدرك قائلا: ولكنها عاقبة عادلة لامرأة مستهترة!
فهز أحمد عبد الجواد رأسه هزة مقتضبة سريعة كأنما يعلن بها احتجاجا صامتا على قسوة هذه الموعظة، ثم سأله بصوت رجع به إلى النغمة التي قطعها مجيء زبيدة: ألا تزال مصمما على رأيك في هجرنا؟
فقال الرجل في حرج: ليس هجرا ولكنه تقاعد، وأنا آسف من كل قلبي. - كلام كالذي داريت به زبيدة منذ دقيقة! - أستغفر الله، إني أتكلم من قلبي، ألا ترى يا سيدي أن الكبر يكاد يعجزني؟
ثم دخل الدكان زبون فمضى الحمزاوي إليه، وإذا بصوت عتيق يتعالى من الباب قائلا في لهجة الغزل: من هذا الذي يجلس وراء المكتب كالقمر؟!
بدا الشيخ متولي عبد الصمد في جلباب خشن رث لا لون له، ومركوب متفزز، معصوب الرأس بتلفيعة من وبر، مستند القامة على عكاز، وكان يرمش بعينيه الحمراوين مسددا بصره نحو الجدار الملاصق لمكتب السيد، وهو يظن أنه يسدده نحوه. فابتسم السيد رغم همه قائلا: تعال يا شيخ متولي، كيف حالك؟
Unknown page