ترى أحرضه فؤاد على جس النبض؟ وكيل نيابة شيء عظيم والعبرة في الأصل بالطيبة، ولكن أهذا وقت التحدث في الزواج؟ - حدثني أولا أأنت مصمم على اعتزال العمل؟
وجاءه صوت من باب الدكان يقول: يا ألف صباح الخير ..
فابتسم السيد بدافع المجاملة رغم استيائه لانقطاعه عن الموضوع الذي يهمه، وقال: أهلا وسهلا .. (ثم وهو يشير إلى المقعد الذي أخلاه الحمزاوي): تفضلي ..
جلست زبيدة بجسم قد ترهل، ووجه قد تقنع بالأصباغ، أما الحلي فلم يعد لها أثر في عنقها أو أذنيها أو ساعديها، ولا للجمال القديم مكان، وجعل السيد يرحب بها كعادته مع كل زائر لا أكثر، أما قلبه فلم يرتح للزيارة، فما من مرة تجيئه إلا وترهقه بالمطالب. سألها عن الصحة فأجابت وهي لا تعني شيئا: «الحمد الله.» وقال لها بعد هنيهة صمت .. أهلا .. أهلا، فابتسمت شاكرة ولكن بدا أنها استشعرت الفتور الكامن في مجاملاته. وضحكت متجاهلة الجو الذي يكتنفها، وكانت الأيام قد علمتها البرود، ثم قالت: لا أحب أن أضيع وقتك، وأنت مشغول، ولكنك أنبل من عرفت في حياتي، فإما أن تمدني بسلفة أخرى، وإما أن تجد لبيتي شاريا ويا حبذا لو تكون أنت الشاري!
فقال أحمد عبد الجواد متنهدا: أنا؟! يا ليت، الزمن غير الزمن يا سلطانة. طالما صارحتك بالحقيقة ولكن يبدو أنك لا تصدقين يا سلطانة ..
فضحكت ضحكة دارت بها خيبة أملها وقالت: السلطانة مفلسة، فما العمل؟ - في المرة السابقة أعطيتك ما قدرت عليه، ولكن الحال لا يسمح بتكرار ذلك ..
فتساءلت في قلق: ألا يمكن أن تجد لبيتي شاريا؟ - سأبحث لك عن شار، أعدك بذلك.
فقالت ممتنة: هذا ما ينتظر منك يا سيد الكرماء، (ثم بلهجة حزينة): ليست الدنيا وحدها التي تغيرت ولكن الناس تغيروا أكثر، سامح الله الناس، في أيام العز كانوا يستبقون إلى تقبيل حذائي. والآن إذا لمحوني على جانب من الطريق مالوا إلى الجانب الآخر.
لا بد أن يتنكر للإنسان شيء، بل أشياء، الصحة أو الشباب أو الناس، أما أيام العز، أيام الأنغام والحب فأين هي؟! - ومن ناحية أخرى فأنت يا سلطانة لم تعملي للأيام حسابها.
فتنهدت آسفة وهي تقول: نعم، لست كأختك جليلة التي تتاجر بالأعراض، وتقتني المال والبيوت، وفضلا عن ذلك فقد ابتلاني الله بأولاد الحرام حتى بلغ الفجر بحسن عنبر أنه كان يبيعني شمة الكوكايين - عندما ندر في الأسواق - بجنيه! - لعنه الله! - حسن عنبر؟ .. ألف لعنة! - بل الكوكايين. - والله الكوكايين أرحم من الإنسان. - لا .. لا، من المحزن حقا أنك وقعت في شره.
Unknown page