(الدليل الأول: أن الصاحب في العرف إنما يطلق على المكاثر الملازم ومنه يقال: "أصحاب الكهف" حيث لازموا الكهف ويقال: "أصحاب الحديث" حيث لازموا دراسة الحديث وما يتعلق به دون غيره، ولهذا قيل: "المزني صاحب الشافعي" و"أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة" ولا يصح أن يقال لمن رآهما -أعني الشافعي وأبا حنيفة- صاحبا، فثبت أنه لا يقال: "إن فلانا صاحب فلان" إلا لمن طالت صحبته له، ولو كان مجرد الرؤية مع الاجتماع يطلق على ذلك صحبة للزم من ذلك أن أكثر الناس بعضهم أصحاب بعض إذ أكثرهم يحصل بينهم ذلك!.
الدليل الثاني: أنه يصح نفي الصحبة عن الذي لاقى غيره دون طول مدة فيقال مثلا: "فلان لم يصحب فلانا لكنه وفد عليه أو رآه أو عامله" والأصل في النفي أن يكون محمولا على الحقيقة.
الدليل الثالث: من الواقع حيث أن الواقع أن الناس لا يطلقون هذا الاسم إلا على من اختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمنع من إطلاقه على من لم يختص به وإن كان قد رآه وسمع منه مثل: من ورد عليه من الوفود والرسل ومن يجري مجراهم فإن كان كذلك: وجب أن يكون هذا الاسم جاريا على من اختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الاختصاص الذي ذكرناه.
ونقل عن أبي يعلى قوله- يبين صحة ذلك أن العالم إذا كان له أصحاب يصحبونه ويلازمونه كانوا هم أصحابه وإن كان في البلد من يلقاه ويستفتيه فلا يكون من أصحابه، كذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأصحابه من صحبه دون من لقيه مرة.
وقد ذكر الدكتور النملة بعض الجوابات على الأدلة السابقة، ولم يأخذ بها، وإنما توصل إلى قوله (فإن الصاحب يطلق على الملازم المكثر من ذلك فالذين يلازمون عالما يسمون أصحابه، كذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه هم الذين لازموه في أحيان كثيرة دون من لقيه مرة أو وفد عليه مرة.
Page 55