Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
على الرغم من أن عبيد الله أحرار وورثته النقشبنديين كانوا أنجح من انتهج نظام «مجتمعات الأضرحة» هذا، فإنهم بالتأكيد لم يكونوا الوحيدين؛ فقد شهدت فترة أوائل العصر الحديث انتشار هذا النظام في كل أنحاء أراضي سهوب آسيا الوسطى الشاسعة، وكان لطول بقاء المؤسسة الصوفية أثره في تمكين الصوفيين من إدارة نظام بيئي زراعي ضعيف بفاعلية أكبر بكثير، مقارنة بسلالات السلاطين القصيرة الأجل.
90
وفي أقصى الشرق على طول طريق الحرير، كانت ذرية عبيد الله النقشبندية أكثر نجاحا في مساعيها لتأسيس الدول؛ فقد وسع أحمد الكاساني (المتوفى عام 1543)، أحد أبناء عبيد الله نفسه، نطاق الطريقة، فامتدت إلى قشغر في الصين الغربية في الوقت الحاضر، وإلى التبت في نهاية المطاف، محاولا تكرار النجاح الذي حققته الطريقة في السابق عندما قدمت للقبائل التركية في السهوب الضوابط الأخلاقية الشرعية. وفي عام 1531، وفي إطار ما بدا أنه مزاوجة مناسبة بين التوسع التبشيري للطريقة ومزايا طرق التجارة الثرية التي عبرت جبال الهيمالايا ، أعلن أحد مريدي الكاساني المنتمي للسلالة الشيبانية الجهاد ضد التبت .
91
ولاحقا في هذا الفصل سوف نتناول تأسيس أحد أحفاد الكاساني دولة نقشبندية جديدة، فيما أصبح الآن الصين الغربية. (8) شمال أفريقيا: المملكة المرينية والمملكة السعدية
في عهد السلالة المرينية (1215-1465) والسلالة السعدية (1509-1659) اللتين حكمتا المغرب، شهدت منطقة شمال أفريقيا شغل الصوفيين مكانة مرموقة أيضا. وعلى الرغم من أن الصوفية واجهت في السابق الكثير من المنتقدين في شمال أفريقيا، فقد شهدت فترة المملكة المرينية مكاسب مستمرة صبت في جانب مكانة صوفيي المنطقة. ومن ناحية، تحقق هذا الأمر من خلال ارتباط الصوفيين بالعلماء الذين تلقوا تعليمهم في مدرسة القرويين التي مولها المرينيون في عاصمتهم فاس كي تمد حكومتهم بالإداريين.
92
بالرغم من ذلك، لم يكن الصوفيون أداة طيعة في يد الدولة، وأدى عجز الدولة المرينية عن الدفاع عن أراضيها ضد الإمبراطوريتين الإسبانية والبرتغالية الناشئتين؛ إلى ظهور جبهة داعمة للحرب يقودها الصوفيون الرافضون للأسرة الحاكمة، الذين دعوا أتباعهم للجهاد ضد المسيحيين؛ على سبيل المثال: عندما غزا البرتغاليون طنجة، ساعد محمد بن سليمان الجزولي أحد أتباع الطريقة الشاذلية (المتوفى عام 1465) في الدفاع عن الأراضي الإسلامية، حاشدا اثني عشر ألف صوفي وقبلي تحت قيادته.
93
وأدت الانتفاضة إلى الإطاحة بالسلالة المرينية على يد الجبهة الداعمة للحرب، التي كانت تتكون من السلالة الوطاسية المنحدرة من نسل النبي محمد وحلفائهم الصوفيين أتباع الطريقة القادرية. ولم يكن كل الصوفيين سعداء بتولي الوطاسيين الحكم، لا سيما أولئك الذين كانوا يشغلون مناصب في الإدارة المرينية، مما أدى إلى مغادرة الصوفيين من غير أتباع الطريقة القادرية مدينة فاس، مثلما تركها أحمد الزروق (المتوفى عام 1493) وقضى مدة طويلة في القاهرة.
Unknown page