Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
أما في الأماكن الأخرى، كما هو الحال مع الأسرة النعمتلاهية الإيرانية المهاجرة في عاصمة السلاطين البهمنيين في جنوب الهند (الذين حكموا فيما بين عامي 1347 و1527)، نجد أن الصوفيين كانوا يختارون الملوك رمزيا في طقوس التنصيب الملكية. وكان السلاطين البهمنيون مرتبطين في الموت كما في الحياة بالأولياء التابعين لهم؛ إذ كانوا يدفنون في أضرحة كبيرة متجاورة في ضواحي العاصمة بيدار.
79
وفي تلك السياقات، يمكن اعتبار قصص المعجزات مفيدة قدر إفادة نصوص المديح؛ فهي بمنزلة مواثيق سردية توضح شتى أنواع العلاقات بين الصوفيين وحلفائهم من الحكام وحاشيتهم؛ فهي تفسر، على سبيل المثال، لماذا تزوج سلالة حاكمة معينة بناتها لأبناء ولي معين، ولماذا تبجل قبيلة معينة ضريحا معينا دائما. قدم كثير من قصص المعجزات أجوبة لهذه الأسئلة، مانحا المصداقية والإجازة لتحالفات معينة استمرت عبر فترة طويلة بين الأولياء ومناصريهم، بحيث يمكن أن يرث التحالف بين أمير معين وصوفي معين ورثة الطرفين، حتى في حالة انتقالهم إلى مناطق جديدة؛ فبين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر قدمت الروابط التي تكونت في آسيا الوسطى بين القبائل التركية القوية وأولياء الطريقة اليسوية إلى الأناضول، مع اتجاه أسلاف كل من الأولياء ورجال القبائل نحو الغرب، إلا أن هذا التفسير لهذه الهجرة المزدوجة أصبح مؤخرا محل شك.
80
وفي القرن الخامس عشر تكونت الروابط نفسها بين أولياء الطريقة النقشبندية والحكام التيموريين في آسيا الوسطى، وكما سنرى في الفصل التالي فقد تكررت هذه الروابط عبر المكان والزمان عندما غزا فرع من السلالة التيمورية (المعروف عادة باسم المغول) الهند عام 1526، ودعوا الأولياء الذين حموا أسلافهم كي ينضموا إليهم في أراضيهم الجديدة.
81
عززت قصص المعجزات، من خلال ارتباطها بهذه المجتمعات الأكبر حجما، الآليات الأوسع نطاقا، التي من خلالها تمكنت الصوفية من تخليد نفسها عبر الزمن؛ نظرا لأن تلك القصص الخاصة بالأولياء السابقين لا تحقق أهدافها في ظل غياب ورثة أحياء لقوة الأولياء عبر أجيال المستقبل، أو عدم وجود موقع زيارة دائم يمكن من خلاله الحصول على هذه القوة، أو جماعة أو أسرة باقية مرتبطة منتسبة لهؤلاء الأولياء. كل هؤلاء الورثة كانوا مهتمين بضمان تذكر وتوارث تلك القصص. إلا أنه على الرغم من المزايا المحتملة للروابط بين الصوفيين والسلاطين، فقد كانت تلك الروابط أيضا مدمرة في بعض الأحيان؛ إذ إن القرب الشديد من إحدى الأسر الحاكمة جعل أسرة الولي على نحو حتمي محل شك في عيون الأسرة الحاكمة التي تحل محلها. وتعامل الصوفيون على اختلافهم بطرق مختلفة مع تلك المعضلة المتمثلة في الحاجة الحتمية إلى الرعاية المادية، والمخاطر الكامنة في الارتباط الشديد بإحدى الأسر الحاكمة. وكما رأينا في حالة الطريقة الجشتية والطريقة النقشبندية؛ فإنه في بعض الحالات اتخذت الطرق المختلفة أساليب مميزة للتعامل مع المشكلة. أما بالنسبة إلى الطرق التي تأسست على كراهية صحبة الملوك، فقد كان وجودهم المؤسسي يقتضي الحاجة إلى ميزانية تشغيلية أساسية على الأقل.
82
ومن ثم فإن الجشتيين - الذين كانوا يتجنبون صحبة الملوك نظريا في شمال الهند في فترة العصور الوسطى - وجدوا أنفسهم يضعون إرشادات أخلاقية معقدة أملوا من خلالها (سدى على الأرجح) أن يتجنبوا انتهاك مبادئهم؛ فازدروا كسب القوت لصالح نظام من العطايا، أو ما يسمى «الفتوح» التي يمكن قبولها حتى من الملوك، شريطة عدم طلبها، وشريطة توجيهها إلى الأنشطة الجماعية للخانقاه.
83
Unknown page