Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
49
وعلى النقيض من ذلك، في أوساط النخب من التجار والإداريين المسلمين في المدن، قدم لهم الجشتيون الإرشاد الأخلاقي باعتبارهم علماء في القرآن والحديث، علاوة على ذلك، وكما سنرى في القسم القادم، فقد شجعوا الشعراء والبيروقراطيين في سلطنة دلهي على كتابة تعاليمهم وتحويل المفاهيم الإسلامية إلى مصطلحات مفهومة محليا.
50
وقد خلدت أضرحة الشيوخ الجشتيين الراحلين، التي كانت تستمد استمراريتها من الخانقاوات الخاصة بها، وجودهم المادي عبر الزمن، وجعلتهم قبلة للزيارة. وبوضع تلك الأضرحة لأساس أشكال تعبدية جديدة من الإسلام، فإنها جعلت الصوفيين في بعض النواحي أكثر أهمية في موتهم عنهم في حياتهم. ومع مرور الأجيال تكونت هذه الممارسات التعبدية، ليس فقط حول أضرحة الصوفيين الجشتيين، بل أيضا حول أضرحة الكثير من الطرق الأخرى في الهند. وأسفر ذلك عن تكوين نسخة محلية مميزة من الإسلام كانت مدينة في وجودها إلى الطرق التي منحت الصوفيين - من خلال الحفاظ على الأضرحة، وإقامة الموالد، وتخليد سير الأولياء - وجودا دائما في المشهد الاجتماعي، حتى بعد موتهم. ولقد أثرت الطريقة الجشتية في البيئة الهندية وتأثرت بها أيضا، وقدمت طريقتها باعتبارها نوعا مميزا من الصوفية جعلته السمات التي تميزه مختلفا عن الطرق الأخرى التي دخلت الهند. وفي هذا الإطار، استخدموا الموسيقى، وكرهوا تكوين علاقات مع السلطة، وأظهروا انفتاحا في التعامل مع الهندوس، مما جعل طريقتهم جذابة لبعض المسلمين في الهند وغير جذابة للبعض الآخر.
51
وعلى الرغم من أن الطريقة الجشتية في القرن الثاني عشر كانت تتكون مما لا يزيد عن تجمع من الرجال في قرية جشت الجبلية نفسها، فمن خلال تناسخها بين أجيال خلفائها المهاجرين تمكنت في منتصف القرن الخامس عشر من إنشاء مراكز لها تقريبا في كل المدن والبلدات الصغيرة الموجودة في شبه القارة الهندية.
تبدو صورتنا عن الطريقة الصوفية مختلفة كثيرا إذا التفتنا إلى حالة الطريقة الخواجكانية النقشبندية في آسيا الوسطى.
52
وبينما ظهرت الطريقة الجشتية في الهند في فترة توسع الحكم الإسلامي، فإن شيوخ الخواجكانية (الذين سيدمج تقليدهم لاحقا في الطريقة النقشبندية الأكثر شهرة) ظهروا على النقيض من ذلك بعد وفاة الشخص «المؤسس» للطريقة؛ عبد الخالق الغجدواني (المتوفى عام 1220)، في القرن الذي شهد حكم المغول الوثنيين لآسيا الصغرى في الفترة ما بين عشرينيات القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر. وفي حين كان الجشتيون يؤسسون مساكن رسمية بارزة اجتماعيا مدعومة من النخب المسلمة في البلدات الهندية؛ فإنه نظرا لعمل الأعضاء الأوائل في الطريقة الخواجكانية في منطقة يحكمها غير مسلمين، فقد كانوا يضمون على الأرجح «الفقراء المهذبين»، الذين تربوا على مقت أصحاب الثروات والمناصب العليا واتباع ممارسة «الخلوة في الظاهر»؛ أي اعتزال الناس إلى حد كبير.
53
Unknown page