Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
12
كتب الكثير من اليوميات التي تسرد مثل هذه الأحلام والرؤى، من بينها الأحلام المائة والتسعة، التي كتبت بعد قرنين على يد الصوفي الجزائري محمد الزواوي (المتوفى عام 1477).
13
الأمر المثير في أحلام الزواوي هو علاقتها بالعالم المادي الذي تنقل خلاله؛ لأن الفترة الأشد تأثيرا في هذه الأحلام حدثت أثناء رحلة لمصر، وفي هذه الرحلة لعبت هذه الأحلام دورا في إضفاء السمو على تجاربه الواعية في الأماكن التي زارها، والتأكيد على حقيقتها بطريقة ما. وفي هذه الفترة كانت مصر تعج بأضرحة الصوفيين، وكان الزواوي بعد زيارة تلك الأضرحة نهارا، يعود ليلا في أحلامه للتحاور مع سكانها من الأموات، الذين يؤكدون له مكانته العالية ويعطونه حلل المكانة السماوية.
بهذه الطرق، شكل الوصف والتنظير المتزايدان للأحلام والرؤى وسيلة لاكتساب المعرفة والسلطة، يمكن على نحو بديل أن تكمل أو تعارض المعرفة والسلطة المكتسبتين من خلال التمكن من التراث النصي للتقليد. وهذا لا يعني أن الصوفيين من خلال هذه الأحلام والرؤى رفضوا تأكيدهم على التقليد، بل يعني أن هذه التجارب كونت وسيلة بديلة وأعلى في الغالب للوصول للتقليد، وبالطبع التفاعل معه. وكما سيشهد عدد متزايد من الصوفيين في كتاباتهم، فقد كان من الممكن لقاء أي شيخ من شيوخ الصوفية السابقين، وحتى الأنبياء، عن طريق تلك الوسائل الرؤيوية. إن ما نراه يحدث في هذا الصدد هو استخدام الحلم والرؤية باعتبارهما تقنية ثقافية تمكن الصوفيين من تجاوز حدود الزمن ومعرفة الأمور الغامضة في النص القرآني، من أجل أن يطرحوا بوضوح الأسئلة على رسل الله وجها لوجه. أما المشكلة المعرفية لهذه الأحلام - المتمثلة في أن الطبيعة الشخصية لهذه التجارب جعلت مزاعم المعرفة التي قالوها بطبيعتها من الصعب التأكد منها - فتغلبوا عليها من خلال الاستناد إلى حديث قال فيه النبي محمد: «من رآني فقد رآني حقا.» واعتبر معنى هذا الحديث أن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل في صورة النبي؛ وهذا يعني أن مشاهدة النبي في أي رؤية أو حلم هي حقيقية بالضرورة، وباستخدام السلطة النصية لهذا الحديث، أصبحت هذه الأحلام والرؤى ذاتية التأكيد. لقد رأينا زوجة الحكيم الترمذي تحلم بأن زوجها أصبح من أولياء الله في وقت مبكر في القرن التاسع، وفي الأدبيات الرؤيوية الأكثر عددا التي تعود للقرن الثاني عشر فصاعدا، قدم قليل من الصوفيين على أنهم مفتقرون إلى هذه البراهين الرؤيوية المبينة لمكانتهم العالية وحكمتهم الكبيرة.
كان هذا ينطبق بصفة خاصة على المنظر الصوفي الأكثر تأثيرا في فترة العصور الوسطى، وربما في أي فترة أخرى، محي الدين بن عربي، المولود في الأندلس، والذي (توفي عام 1240). ولد ابن عربي في مرسية لأسرة عربية من النخب تعمل في مجال القضاء، وقضى سنوات تكوينه بين الصوفيين في الأندلس ومنطقة شمال أفريقيا الملاصقة لها ثقافيا، قبل الانتقال إلى منطقة شرق البحر المتوسط في أواخر ثلاثينياته.
14
واستقبل هناك بجدل بين العلماء وبحفاوة بين الأمراء، ونظرا لوصوله إلى سوريا بعد عقد من إعدام السهروردي، فقد كان أوفر حظا في صداقاته، وتوفي في دمشق في سن كبيرة ناهزت الخامسة والسبعين. زعم ابن عربي - الشيخ الأعظم بين كل الصوفيين أصحاب الرؤى - أنه يمتلك القدرة على استحضار أي روح من أرواح الأموات أمامه في أي لحظة، وزعم أنه تحدث بانتظام إلى أرواح الأنبياء عيسى ومحمد وموسى. وفي صدى واع لنزول الوحي بالقرآن على محمد، زعم ابن عربي أنه قد أوحي إليه بكتابه الرائع «الفتوحات المكية» في أثناء طوافه بالكعبة في مكة المكرمة.
15
ظهرت هذه الجرأة في كل أفكاره، وكما سنرى لاحقا، فإن كتابته المطولة عن نزول الوحي على محمد، ظهر صداها عندما زعم أن الولاية أعلى مكانة من النبوة، ولبت هذه النظرية جيدا الحاجة إلى إعادة إنتاج سلطة دينية في عصر كان يرى فيه أن النبوة انتهت للأبد.
Unknown page