Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
ولم تكن حملة التصحيح مقتصرة على مدن مثل القاهرة وإسطنبول، بل وصلت إلى الحدود القبلية للحكم العثماني في منطقة نجد في شبه الجزيرة العربية. شهد أيضا النصف الثاني من ذلك القرن ظهور منتقد البدع الصوفية الأكثر تأثيرا على الإطلاق محمد بن عبد الوهاب (المتوفى عام 1787).
122
كان الاهتمام الرئيسي لابن عبد الوهاب هو مهاجمة كل أنواع البدع وأشكال الوثنية، التي أبعدت المسلمين عما رآه التعاليم الأصلية للنبي محمد، وهذا بدوره جعله يدين ممارسات مثل تبجيل الأضرحة، واعتبار الأولياء الصوفيين وسطاء بين الإنسان والله . وعلى الرغم من أن اتجاه «الوهابية» الأوسع نطاقا (والفضفاض كثيرا) سيصبح في نهاية المطاف هجوما على كل أنواع الفكر الصوفية، وكذلك كل أنواع الممارسات الصوفية، فإن نقد ابن عبد الوهاب نفسه كان أضيق نطاقا؛ فنظرا لأن الصوفية في أوائل العصر الحديث كانت جزءا لا يتجزأ في العديد من الجوانب من الإسلام نفسه، فلم يكن الرفض الفوري والكامل لكل ما يقوله ويفعله الصوفيون ممكنا، وابن عبد الوهاب على أي حال لم يستخدم مصطلح «الصوفيين» في انتقاداته.
123
وعلى الرغم من أن صعود آل سعود إلى سدة الحكم في شبه الجزيرة العربية سيؤدي فيما بعد إلى تطوير أفكار ابن عبد الوهاب إلى أجندة كاملة مناهضة للصوفية، فإن فترة ابن عبد الوهاب نفسها كانت جزءا من حملة التصحيح الأوسع نطاقا، المطالبة بالعودة إلى السنة النبوية ورفض البدع. وإذا كان ابن عبد الوهاب يعد الأكثر تطرفا في هذا الاتجاه (مما جلب له كثير من المنتقدين، والمؤيدين أيضا)، فإنه على الرغم من ذلك كان رجلا من عصر كان من الممكن فيه إصلاح الصوفية، وكان من الصعب رفضها بالكامل. (12) إيران: الصفويون المتأخرون
بينما شهد القرن السابع عشر في الإمبراطورية العثمانية تزايد وتضاؤل نفوذ العلماء المناهضين للصوفية، على حسب التحالفات التي عقدوها ضد الصوفيين الذين وصفوهم بالأعداء، فقد شهدت إيران تطورات مماثلة في الوقت نفسه. لقد رأينا بالفعل كيف أن السلالة الصفوية، بعدما وصلت إلى الحكم كحركة صوفية قبلية مدعومة بالقزلباش القبليين، وجدت نموذج الطريقة الصوفية مقيدا للغاية، لدرجة تحول دون تحقيق الترابط بين شعوب الإمبراطورية المتنوعين، وعلى مدار العقود اللاحقة، جلب الصفويون علماء شيعة من منطقة جبل عامل في لبنان، الذين نشروا نقدهم للصوفيين على نطاق واسع في المجتمع الإيراني من خلال جذب الطلبة، وكتابة كتب فقهية بلغة فارسية بسيطة.
124
وكان لدعم الدولة الرسمي لهذا النوع الفقهي من الشيعية تبعات متنوعة على الصوفيين، وعلى الرغم من أن المصطلحات الصوفية ظلت تتردد في الثقافة الشعبية والأدبية في إيران ، فقد تزايد تهميش الطرق الصوفية نفسها باعتبارها وسيلة للنفوذ الديني ؛
125
ففقدت الأضرحة التي كانت محورية للغاية في شعبية الصوفيين وثروتهم الرعاية وزيارة الأتباع لها، وحلت محلها تدريجيا الأضرحة المنافسة، ولا سيما الأضرحة الشيعية المعروفة باسم «إمام زاده» (أي ذرية الإمام)،
Unknown page