Sufism - Origin and Sources
التصوف - المنشأ والمصادر
Publisher
إدارة ترجمان السنة
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Publisher Location
لاهور - باكستان
Genres
كانت الليلة الأولى من تلاقينا قالت لي: أنت تعلم أية نعمة أنعمها الله علينا إذ أوصل كلامنا إلى الآخر، وأفرغ قلبينا من القيود والآفات السيئة، فقلت: نعم، قالت: فلنمنع أنفسنا الليلة عن هوى النفس، وندس على مرادنا، ونعبد الله شكرًا على هذه النعمة، فقلت: هذا صواب، وقالت هذا نفسه في الليلة التالية. وقلت أنا في الليلة الثالثة: لقد أدينا الشكر ليلتين من أجلك، فلنقض ليلتين أيضا في العبادة من أجلي. وقد تمت الآن خمسة وستون عاما لم يمس أحدنا الآخر، ونحن نقضي كل العمر في شكر النعمة) (١).
وقال بعد نقلها ونقل أشياء أخرى:
(وفي الجملة: إن أول فتنة قدرت على آدم في الجنة كان أصلها امرأة. وأول فتنة ظهرت في الدنيا - أي فتنة هابيل وقابيل - كانت أيضا بسبب امرأة. وحين أراد الله ﵎ أن يعذب إثنين من الملائكة جعل سبب ذلك امرأة. وهن جميعا إلى يومنا هذا سبب جميع الفتن الدينية والدنيوية، لقوله ﵇: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، فإذا كانت فتنتهن بهذا القدر في الظاهر، فكيف تكون في الباطن؟
وأنا علي بن عثمان الجلابي، من بعد أن حفظني الحق تعالى من آفة الزواج أحد عشر عاما، قدر أن وقعت في الفتنة، وصار ظاهري وباطني أسير الصفة التي كانوا عليها معي، دون أن تكون هنالك رؤية، وقد استغرقت في ذلك عاما، بحيث كان يفسد على ديني، إلى أن بعث الحق تعالى بكمال فضله وتمام لطفه عصمته لاستقبال قلبي المسكين، ومنَّ عليّ بالخلاص برحمته، والحمد لله على جزيل نعمائه.
وفي الجملة فإن قاعدة هذا الطريق وضعت على التجريد، وعندما جاء التزويج اختلف أمرهم، ولا يوجد أي عساكر الشهوة إلا ويمكن إخماد ناره بالاجتهاد، لأن الآفة التي تنشأ منك تكون آلة دفعها معك أيضا، ولا يلزم الغير حتى تزول عنك تلك الصفة.
وزوال الشهوة يكون بشيئين: واحد يدخل تحت دائرة التكلف، وواحد يخرج عن دائرة الكسب والمجاهدة، فما يدخل في تكلف الآدمي ومقدوره هو الجوع، وأما ما يخرج من التكلف الهمم، وتنشر المحبة سلطانها في أجزاء الجسد، وتعزل كل الحواس عن أوصافهم، وتجذب كل العبد، وتغني عنه الهزل.
_________
(١) كشف المحجوب للهجويري ص ٦١٠، ٦١١.
1 / 59