360

Al-Sūdān min al-tārīkh al-qadīm ilā riḥlat al-baʿtha al-miṣriyya (al-juzʾ al-thānī)

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Genres

هذه التسوية ترمي إلى تفسير المذكرة التي أشرنا إليها في الفقرة الأولى من هذا التقرير بعبارات فنية بينة لا يتسرب إليها غموض. وقد جاء في تلك المذكرة أن الحكومة البريطانية مع عظيم اهتمامها بتقدم السودان لا تنوي مطلقا الافتئات على ما لمصر من الحقوق التاريخية والطبيعية في مياه النيل، تلك الحقوق التي تعترف بها اليوم كما كانت تعترف بها في الماضي سواء بسواء.

واللجنة كلها أمل أن آراءها التي تتمشى فيها هذه الروح، والتي لم تكن إلا بعد استيعاب الموضوع من الوجهات الفنية تكون - إذا صحت العزيمة على الوئام والتعاون - أساسا مقبولا لتقدم الري في المستقبل وضمانه إلى الأبد لكل ما هو قائم الآن من الحقوق المكتسبة. (6) مشروع ري الجزيرة

قد بينا من قبل أن أهم ميدان لترقية الري في السودان هو أراضي الجزيرة، وعلى ذلك فالأحوال المحيطة بمشروعات الري في هذه المنطقة لها صلة ذات شأن بالمسألة التي نيطت باللجنة لتسويتها؛ لذا آثرت اللجنة قبل الاستمرار في أبحاثها أن تقول في هذا المشروع كلمة تتحرى فيها شيئا من التفصيل.

الغرض من هذا المشروع ري مساحة من الأراضي الصالحة للزراعة قدرها 300000 فدان ثلثها يزرع قطنا في مدة أولها يولية وأغسطس، وآخرها لا يكون بعد 15 إبريل، وثلث آخر يزرع مواد غذائية من أغسطس وسبتمبر إلى نوفمبر في حالة زراعة الذرة وإلى يناير في حالة زراعة اللوبيا. أما الثلث الباقي فيبقى بورا، ومن 16 إبريل إلى 15 يولية تكون الأرض خالية من الزراعة، ولا يحتاج إلى الماء إلا للقدر اللازم للأهالي في معيشتهم وللقطن دون سائر الحاصلات الزراعية الشأن الأكبر، سواء من وجهة الماء اللازم له ومن وجهة الثمرات الاقتصادية للمشروع.

من 16 يولية إلى 31 يولية يرفع منسوب ترعة الجزيرة تدريجيا من الحد اللازم للأهالي إلى الحد اللازم للري، وفي هذه الفترة عينها يرفع منسوب الخزان بالضرورة. ومن 31 يولية تستمد الترعة ماءها حسبما تقتضي الزراعة، ويكون أقصى تصرفها 84 مترا مكعبا في الثانية، وفي شهر نوفمبر يرتفع الماء في الخزان حتى يصل إلى منسوب التخزين المقرر، وفي هذه الحالة يكون استمداد الماء من النهر بمقدار بمقدار 150 مترا مكعبا في الثانية، وذلك لمدة 30 يوما، وينتهي ري اللوبيا أثناء النصف الأول من يناير ويقتصر الري على القطن وحده. بني هذا المشروع على التقديرات المدونة في كتاب ضبط النيل، وهي تدل على أن الماء اللازم لري زراعة القطن في تلك المنطقة يمكن أخذه من النيل الأزرق لغاية 18 يناير دون إضرار بمصر حتى في الفيضانات الشاذة في تقصيرها كفيضان سنة 13-1914. أما بعد 18 يناير فلا مناص من أخذ الماء اللازم لري القطن من الخزان؛ لهذا روعي في وضع المشروع أن يكون في الخزان كمية المياه التي يتطلبها (حسب التقدير ومع مراعاة الضائع) ري القطن إلى 15 إبريل وحاجة الأهالي من 15 إبريل إلى 15 يولية.

وثم قيد آخر غير ما تقدم من القيود الخاصة بالوقت الذي يستمد فيه الماء من التصرف الطبيعي للنيل الأزرق وبكمية هذا الماء، ذلك القيد هو تحديد الأرض التي تزرع في الجزيرة بثلاثمائة ألف فدان بمقتضى التعهد الذي قدمناه في الفقرة (15) من هذا التقرير. فلا تبين بالفعل أن المقنن المائي أقل مما قدر أولا لما كان سبيل إلى الانتفاع بالماء الفائض في زيادة المساحة المنزرعة.

مشروع الجزيرة. (7) اعتبارات عامة للجنة

جرت العادة في مصر من قديم باعتبار السنة الزراعية فصلين كل منهما نحو ستة أشهر في أحدهما يستعمل في الري كل تصرف النيل الطبيعي مضافا إليه الماء المخزون في أسوان، وفي هذا الفصل يسد كل من فرعي النيل متى سمحت الحالة بذلك. وفي الثاني ينساب ماء النيل في البحر الأبيض بمقادير كبيرة جامدة بضعة شهور.

وقد وضع مشروع ري الجزيرة الذي تم في يونية سنة 925 بحيث لا يستمد الماء من التصرف الطبيعي إلا في الفصل الثاني من فصلي الزراعة في مصر، وبحيث يستمده من خزان سنار في زمن انخفاض النيل. هذه القاعدة تقرها اللجنة، وقد سلم بها رجال حكومة السودان، وهم في هذا الفصل لا يتشبثون إلا بالماء اللازم لري مساحات يسيرة بالطلمبات عملا باتفاق قديم أقرته الحكومة المصرية. على هذا رأت اللجنة أن تكون فاتحة أعمالها تقسيم السنة تقسيما دقيقا إلى فصلين، مسترشدة في ذلك بتدبير الأحوال الحاصلة في أول الفيضان وآخره، وهما الوقتان اللذان فيهما تتغير الأحوال.

فإذا قسمت السنة على هذا النحو أصبح من الميسور أن تستأثر مصر في شهر الانخفاض بكل التصرف للنيل إذا ما كان منه حق للسودان بحكم نظام الطلمبات المتفق عليه كما قدمنا، ثم ينظر في إيراد الماء أثناء الباقي من السنة للاهتداء إلى القدر الذي يصح أن يكون للسودان، مع مراعاة ما تحتاج إليه مصر في توسعها الزراعي، ويبقى أمام اللجنة النظر في موضوعين أقل شأنا هما الري بالطلمبات وري الحياض في السودان ووضع القيود لها.

Unknown page