Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Genres
الاعتماد على الزمن وانتهاز الفرص - لا يحدد الإنكليز أمانيهم بوقت بل يعملون لتحقيقها ويعتمدون على الزمن وعلى ظهور الفرص واهتبالها. (7)
روح السيادة التي يشعر الإنكليزي بها وإحساسه بأنه متفوق على غيره، فلكم خلق الشعور بالسيادة والذاتية والاعتزاز بالنفس الزعماء والأبطال. (8)
نظامهم التعليمي ومطابقته للأخلاق الإنكليزية وطبيعة البلاد وحاجتها. (9)
جريهم في حكم المستعمرات ونحوها على الاستتار خلف حكومات وطنية.
هذا شيء من أسباب نجاحهم الاستعماري.
ونورد فيما يلي آراء بعض الكتاب والمؤلفين في الإنكليز. (1) كيف نفهم الرجل الإنكليزي؟
ألقى مستر جيلان بالإسكندرية محاضرة في هذا الموضوع قال فيها:
الطريقة المثلى لنفهم مزاج الإنكليزي وطبائعه إنما هو درس حالته في وطنه «إنكلترا»؛ ذلك لأن ما يبدو من التفاوت بين الإنكليزي في الخارج من صفات الكبرياء والصلف والغرور واحتقار كل ما ليس إنكليزيا وبين ما يظهر به في بلاده من الصفات والأحوال، إنما يرجع إلى أسباب يحسن الوقوف عليها؛ إذ الواقع أنه ليس به كبرياء وإنما هو شعور بالذاتية يرجع إلى ما يقدره في نفسه من اتجاه الأنظار إليه، وهذه حالة تبعثه على التحوط والحذر حتى لا يكون عرضة لقلة الترحيب به من الغير؛ مما يؤدي إلى الخطأ في تقدير أن مظهره هذا ناشئ عن الصلف والغرور. يضاف إلى ذلك أن الإنكليزي في الخارج إنما يتمثل في غالب الأحوال في طبقة السياح الذين هم من أهل الثراء، والذين تعودوا فرض مشيئتهم على الغير في بلادهم والسيادة في المناطق الأجنبية.
وقد تكلم المحاضر بعد ذلك عن الحياة البيتية وحب الإنكليزي للاجتماع العائلي، وضرب لذلك مثلا مما جاء في كتاب المستر «وينر» في وصف المنزل الإنكليزي، وقابل صفات الإنكليز بغيرهم من أهل أوربا من حيث سهولة الاتصال الشخصي أو صعوبته، فإن الرجل الأوربي قد تتوثق الصداقة بينه وبين غيره من دون أن يترتب على ذلك تبادل الزيارة المنزلية، على عكس الرجل الإنكليزي في بلاده فإنه يدعوك إلى الغداء في بيته ولو لم تكن مستعدا لرد هذا الجميل إليه - ثم انتقل المحاضر إلى نظام الطعام في إنكلترا وبساطته وقال: إن الإنكليز يعنون بكيفية أكل الطعام أكثر من اهتمامهم بصنوفه، ثم وصف بيان الوجبات التي يأكلها الإنكليز في الصباح والظهر والمساء والليل، واستطرد إلى أسلوب المحادثة، ووصف الإنكليز بأنهم قوم يميلون إلى الصمت والإقلال من الكلام، وأن الحديث يبدأ عادة بحالة الطقس، وأنهم يستنكرون الإيماء بالأيدي في أثناء المحادثة، ولا يحبون الوقوف للكلام في أثناء السير في الطريق للإشارة بعلامات إلى موضوع الحديث أو مس أحد جوانب صديقه بيده؛ فإن هذه الأفعال جميعها غير لائقة في إنكلترا، والتعبير بعبارة غير لائقة هو القاعدة أو المبدأ الذي يراعى عند الإنكليز في كل ما له علاقة بآداب السلوك. واستشهد المحاضر بقول رئيس شرطة إنكلترا من أن قول الرجل للمرأة بلا موجب في الطريق العام «مساء الخير» قد يكون سببا كافيا للقبض عليه. ويقول المحاضر: إن الإنكليز يستنكرون مخاطبة الرجل للرجل من دون سبق تعارف، وإنه إذا قدم أحدهم للآخر كان على الأخير أن يبدي ابتسامة قائلا: «كيف حالك؟» وأن يكون الرد على ذلك هو أيضا «كيف حالك؟» وعندئذ تنتهي إجراءات التعارف ويسوغ الشروع في المحادثة.
وانتقل المحاضر بعد ذلك إلى التعليم في المدارس العامة الإنكليزية، وأنها تعد متخرجيها لوظائف الحكومة لما هو مفروض فيهم من الاستعداد الخلقي والمقدرة على السير في معترك الحياة بأمانة واعتدال. وانتقل من ذلك إلى طبقة الأرستقراطية التي كانت مقصورة على الأسر العريقة في الحسب والنسب، ثم اندمج فيها رجال المال من أصحاب الصحف والشركات والأعمال، وذكر المحاضر أن ممثلي إنكلترا في الخارج وكبار رجال موظفي الخارجية والسفارات وحكام المستعمرات يختارون من أفراد الطبقة العليا الحائزين للدرجات العلمية والكفايات الممتازة، ويختار من هؤلاء أيضا رجال القضاء والكنيسة وعظماء الضباط في الجيش والبحرية، وهذه الطبقة هي التي يبني عليها الأجانب حكمهم عن أخلاق الإنكليز وعاداتهم.
Unknown page