Sudan Misri
السودان المصري ومطامع السياسة البريطانية
Genres
وهذا الجزء المروي يحد بصحراء العرب شرقا وصحراء لوبيا غربا، وليس في الإمكان ري أرض الصحراوين المذكورتين بمياه النيل؛ لارتفاعهما وعدم استواء مسطحهما، فسيستمر جدبهما لهذا العائق الذي لا يمكن تذليله إلى ما شاء الله، ومن المستحيل في مصر الانتفاع بأرض لا يرويها النيل فليس هناك احتمال لتوسع زراعي من هاتين الجهتين.
وفي الجهة الشمالية البحر، فإذا وجهنا زيادة عدد سكاننا إلى هذه الوجهة وافترضنا ارتحالها إلى ما وراء البحار وتركنا جانبا كراهة المصري الغربة فإننا لا نجد ما يحقق لها أي رغد من العيش للبون الشاسع بين البلادين طقسا وطبيعة وجنسية ولغة وديانة فهذه الجهة في حكم المسدودة.
أما المورد الصناعي للمعيشة فضلا عن أن مصر تنقصها المواد الأولية لتكون الصناعة فيها زاهرة يانعة فإنه مورد محدود من المستحيل أن ينتفع به عدد عظيم من السكان في مصر، ولنفرض أنهم نصف مليون أو مليون فإنه يستغرق بزيادة السكان في مدى أربع سنوات فقط، ومتى انقضى هذا الأجل القصير نجد أنفسنا أمام المعضلة بعينها من جديد.
وحاشا أن أقصد تثبيط الهمم عن الصناعة بهذا الكلام، وإنما القصد فقط بيان عدم كفاية هذا المورد، وأنه لا يحل المشكل الذي نحن بإزائه.
فالمنفذ الوحيد المفتوح أمامنا هو جهة الجنوب حيث يوجد إقليم واسع ذو سكان قليلي العدد، وأرض من طبيعة أرض مصر تروى بنفس النيل ولا يفصلها عنا فاصل؛ بل هي ومصر جسم واحد.
وإقليم كهذا حالته المعيشية وثمار أرضه مماثلة لقطرنا، المصريون وحدهم هم الذين في استطاعتهم جعله في حالة سعادة ورفاهية، وبالاختصار هو بيئة مناسبة لأمزجة المصريين على قدر ما هم أنفسهم موافقون لهذه البيئة، وهو الذي يسع الزيادة المستمرة لسكان مصر مدى مائه عام بدون أدنى مضايقة.
فالسودان هو باب السلام الوحيد الذي ظل مفتوحا لمصر على مصراعيه منذ الأزمان الخالية، ويجب أن يبقى كذلك إلى الأبد؛ لأنه لازم لها لزوم الروح للجسد.
وإلى هذا الغرض يجب أن تصوب جميع مجهودات أولئك الذين في يدهم حظ مصر، وفي قلبهم يضمرون لها النفع والمصلحة.
مراقبة مياه النهرين الكبيرين
يريدون أن يبيعوا مال النيل لمصر بيعا
Unknown page