إن حكاية الفردوس الأرضي تؤكد لنا المساواة بين الرجل والأنثى، فلو اعتبرها المشترع أقل عقلا من أخيها الرجل لما عوقبت مثله، فنهضة المرأة للمطالبة بحقوقها ليست بدعة جديدة وجدت يوم استبد الرجل بالأمر، وما أشد استبداد الرجال ما دام شعارهم «إنما العاجز من لا يستبد!»
كان الرجل والمرأة قبل الشرائع والقوانين متساويين، لم تحبس في قفصها الذهبي إلا عندما مدت المدنية البشرية أسلاكها الشائكة حول البيوت ... فأنانية الرجل حملته على حبك ما حبك من قيود القوانين، فالشرائع كلها من صنع الذكور، ومن يكون الدفتر في يده ويكتب نفسه من الأشقياء؟!
يظن الناس أن المدنية والرقي قاما على أكتاف الرجال، أما الواقع فيكذب هذا الزعم، فإذا عدنا إلى فجر التاريخ رأينا المرأة والرجل، آدم وحواء، راحيل ورفقا، ويعقوب وإسحاق يضربان معا في مجاهل الأرض عرضا وطولا، وكم رأينا الرجل عاجزا في بعض الميادين فتجاهد المرأة وتحفظ الأمة والوطن!
ولكن الرجال يقولون بلا روية ولا تفكير: «الرجل أفضل من المرأة.» أما التاريخ فينتصب على قدميه ويقف ليقول لنا: إن أسمى الدرجات الإنسانية هي النبوءة، وكان من النساء نبيات، كانت حنة نبية وبذلك تعترف توراة موسى، ودبورة أيضا كانت نبية شهيرة وقاضية، وفيها يقول سفر القضاة (ف4، ص5): «وكانت دبورة تحت نخلة بين الرامة وبيت إيل في جبل إفرائيم، وكان بنو إسرائيل يصعدون إليها لتقضي لهم، وهي التي دفعت باراق لقتال سيسرا فظفر به.»
بدأت بالأمر دبورة النبية القاضية وأتمته ياعيل بنة حابر القيني، فقتلت سيسرا حين دخل خيمتها فارا، وأذلت الكنعانيين أمام شعبها إسرائيل.
وإذا توغلنا في استقراء التوراة رأينا خلوة النبية محترمة من الرجال جميعهم، يخضعون لها ويعملون بما تقول.
قالت التوراة: «جاء حلقيا مرسلا من يوشيا ملك أورشليم يستشيرها فيما يفعل، فقالت للرسول: قولوا للرجل - أي الملك - الذي أرسلكم إلي: كذا قال الرب إله إسرائيل: هذا جالب شرا على هذا المكان وعلى سكانه، فأهب غضبي عليه ولا ينطفئ. أما ملك يهوذا الذي بعثكم لتسألوا فكذا تقولون له: إن الله يضمك إلى آبائك فتنضوي إلى قبرك بسلام، ولا ترى عيناك هذه البلايا؛ لأن قلبك لان للرب إلهك.»
هؤلاء هن النساء النبيات، أما المنقذات فحسبي أن أذكر منهن يهوديت التي قتلت أليفانا الأشوري وأنقذت شعبها، وأستير صالبة هامان، ودليلة مذلة شمشون.
هذه هي المرأة، وسوف لا أتعدى حدود التوراة إلا قليلا، فالحديث شجون والزمان طويل. ولكنني أقابل قليلا بين التوراة وبين قوانين نابليون الحديثة العهد:
ترى قوانين نابليون أنه لا يسوغ أن يتولى الوصاية والعضوية في المجالس العائلية القصر والمحجور عليهم والنساء، وكل من اشتهر بسوء السيرة، ويقول أيضا: «لا تستطيع المرأة الحضور في المرافعات أمام هيئة القضاة بلا تفويض من زوجها.» وفي المادة 217 يقول: «لا تستطيع المرأة أن تهب ولا تبيع ولا تقتني من غير إذن زوجها ومشاركته.»
Unknown page