وإذا كنا نريد أن يجري كل ما في الحياة على هوانا كيلا نغضب، فهذا أمر لا يتحقق. شاء الفرس أن يجنبوا الناس الغضب فأنشئوا هذه القصة الطريفة وجعلوا بطلها إبراهيم الخليل، قالوا:
اشتهر إبراهيم الخليل بالكرم وحسن الضيافة، وقد حدث أن مضى أسبوع ولم يحضر مآدبه أحد أبناء السبيل، فخرج من بيته وسرح نظره في كل وجهة من أطراف الوادي حتى رأى رجلا في الصحراء طويلا كالسرو وقد اشتعل رأسه شيبا كأن الكبر قد كساه بثلجه.
فنادى إبراهيم عابر السبيل، ولما أقبل عليه حياه ورحب به، وأعد الطعام فعزم على ضيفه فقبل الرجل شاكرا، وكان يعرف كرم إبراهيم ويسمع أخبار مضيفته، وأقبل الخدم فأجلسوا الرجل في مكانه من المائدة بالتجلة والتكريم، فلما اكتمل الجمع وأخذ كل مكانه بدءوا بذكر اسم الله الرحمن الرحيم، ولكن الضيف لم يذكر الاسم الأجل، تعجب إبراهيم من ضيفه الشيخ الكبير واستغرب أن لا يذكر اسم ربه قبل أن يضع الخبز في فمه، فسأله لماذا لم تفعل كما يفعل الشيوخ في إخلاص وإيمان؟
فقال الرجل: «لا أستطيع أن أفعل شيئا لم أسمع عنه في سدنة بيت النار.»
فأدرك إبراهيم أن ضيفه مجوسي من عبدة النار، فاستولى عليه الغضب وأمسك بالرجل فرفعه من مكانه وطرده؛ حرصا منه على ألا يشارك الأتقياء أكلهم، فبعث الله جبريل إلى إبراهيم يقول: يا إبراهيم، أنا تحملت هذا الشيخ ومنحته الحياة والقوة مائة سنة، أما أنت فلم تستطع احتماله لحظة واحدة، إذا كان الشيخ يسجد للنار، فما بالك أنت تكف اليد التي بسطها الله لك بالجود؟!
إن الأديب الفارسي كتب هذه القصة ليصيب عصفورين بحجر واحد، فهو يعلمنا ألا نغضب ثم ألا نغضب لما لا يعنينا ولا يمسنا مباشرة.
وفي حكاية النبي يونان - يونس - مع ربه وأهل نينوى عظة كبرى لأهل الغضب؛ حرد يونان لأن ربه لم يضرب مدينة نينوى كما وعده، فانتحى مكانا قصيا، صنع هذا النبي لنفسه مظلة شرقي المدينة، وقعد تحتها يراقب ما يحدث في نينوى، فخلق الله له يقطينة تظلله ففرح بها وبعد حين سلط الرب على اليقطينة دودة فأيبستها، ثم أرسل ريحا شرقية حارة فضربت الشمس رأس يونان فذبل وتمنى الموت.
فناداه الله - حسب قول التوراة - وقال له: «هل اغتظت حقا من أجل اليقطينة؟!»
فأجاب يونان: «اغتظت حتى الموت.»
فقال الرب: «إذا كنت أنت أشفقت على يقطينة، أفلا أشفق أنا على مدينة؟!»
Unknown page