كذلك كانوا يوم كانت البيوت نقالة، أما اليوم وقد أصبحت البيوت مسمرة في أماكنها لا تحول ولا تزول، فما علينا إذا أردنا أن نعيش مطمئنين هانئين إلا أن ننسجم مع من نجاور لنقاوم بهم ما يعترض سبيلنا من عقبات. ولكن ذلك التآلف قضت عليه مشاغل الأعمال، وحال الركض وراء المادة بيننا وبين الائتلاف مع جيراننا، فرب جارين - حيث تتراكم الأعمال - لا يعرف بعضهم بعضا!
زرت مرة صديقا لي، وفي بحر الحديث قلت له: فلان جارك؟
قال: نعم، جاري.
فقلت: أحب أن أزوره، فهل ترافقني؟
فأجاب: لا تزاور بيننا.
قلت: عجيب، ومن تزور إذا كنت لا تزور جارك؟!
فقال: ثقال الدم، زيارتهم مزعجة.
فقلت: أهم أثقل وأزعج من المصيبة، فمن يشاركك في حملها غير جارك؟ ومن يكون أول راكض إلى بيتك متى حلت ؟
وهب أن زيارته زبار يا سيدي، فهي أخف من النكبة في كل حال.
وكانت زوجته تصغي إلينا وأبت إلا أن تدس أنفها، ومضت تكيل لجيرانها القدح والذم بالمد، كأنها لا تعرف إلا المكاييل القديمة.
Unknown page