137

Subul Wa Manahij

سبل ومناهج

Genres

فقلت له: أعرف، ولكنني قلت لمثلها مرة «يا بنت» فدفعت ثمنا غاليا وصرفتني، أما هذه المرة - وقد كان سيدها غائبا حقا - فانفتح الباب واسترحنا من عناء صعود السلالم وشربنا قهوة.

فحيثما يكن اللسان الدافئ يعش الناس في سلام واطمئنان؛ ولذلك قال المثل: «لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن خنته خانك»، فكن لطيفا تسترح وترح.

أتكون آلة تدار؟

كانوا إذا امتدحوا رجلا بالذكاء وأصالة الرأي قالوا: «فلان داهية.» و«فلان من دهاة العرب.» ومتى قالوا هذا أرادوا أنه يدبر أموره ويفصل شئونه بعقله لا بيده، وهل كان معاوية بن أبي سفيان معتمدا على السيف والرمح والعدد والعدد حين قال: «لو أمسك العرب بطرف الشعرة وأمسكت أنا بطرف ما تركتها تنقطع بيننا، فإن أرخوا شددت وإن شدوا أرخيت.»

إنه لم يقل كابن كلثوم:

إذا بلغ الفطام لنا صبي

تخر له الجبابر ساجدينا

ولكنه اعتد برأيه وحصافته، وبهما وطد أسس المملكة الأموية وسكتت دنيا العرب بين يديه.

إنه لا يطلب منك يا أخي أن تكون كنوابغ العالم علما ومعرفة لتمسي داهية، فقد تكون صاحب عقل عادي وتكون داهية، بينا يكون جارك الثاقب العقل الواسع العلم مقصرا عن مجاراتك في الحياة، لعلك تبيعه وتشتريه كما نعبر اليوم، وتأخذه منه وترده عليه كما عبر القدماء، ثم لا يحس ولا يشعر! فالدهاء هو حسن تصريف الشئون وإتيان الأمور من أبوابها، فرب تلميذ كان متفوقا على جميع رفاقه في المدرسة ثم قصر عنهم في مضمار الحياة، فقضى عمره شقيا بائسا يجري والرغيف في المضمار فيقطع الجري أنفاسه، ويبيت على الطوى كصاحبنا ابن الرومي.

فالأسد، مع ما اتصف به من قوة وبطش، قد تصطاده بسهولة؛ لأنه لا يحسن تدبير أمره، أما الثعلب فقد يعييك في التواءاته ولفه ودورانه.

Unknown page