127

Subul Wa Manahij

سبل ومناهج

Genres

إن موضوعنا يدور حول المعلم والطالب، فإلى المعلم أقول بكل تواضع واحترام: إن التلميذ تنور يحمى لا وعاء يملأ، فعلينا أن نحمي هذا التنور ليعطينا أرغفة كالتي وصفها ابن الرومي. وعلى ذكر الوعاء نقول: لا بد من الحفظ لتؤدى الدراسة على حقها، فعلى التلميذ أن يحفظ ما يشير عليه معلمه بحفظه، فرب قصيدة يحفظها الطالب من أولها إلى آخرها وهو لا يحتاج منها إلا بضعة أبيات متفرقة، فليختر المعلم للطالب مجموعة قليلة من شعر الشاعر تنفعه عند محاولته درسه، فهذه المختارات المنتقاة يجد فيها الطالب جميع الألوان والخطوط التي تتألف منها صورة الشاعر أو الكاتب.

وخير درس لشعراء وأدباء المنهج هو أن ندخل بيوتهم ونبحث في الزوايا دالين الطلاب على الخبايا، لا أن نخبرهم عنها خبرا، فما راء كمن سمعا كما قيل.

فمعرفة بيروت سماعا ليست كمعرفتها عيانا، ولولا الحاجة الملحة إلى المشاهدة لما ذهب القصصي وجاب البلاد التي جعلها مسرحا لأبطال قصته. وهناك أمر آخر هو علة كل هذا الضعف، وهو أن الطالب يظن أن ما يمليه عليه أستاذه هو كل شيء، فلماذا يكلف نفسه البحث والقراءة؟

لا يا ولدي، إن ما يملى عليك ما هو إلا «صندويش» تسند به قلبك، أما طعامك المغذي حقا فهو ما تطالعه أنت وتحاول أن تفهمه، فعلى أستاذك أن يدربك لتستطيع وحدك حين تنفرد في غرفتك أن تقرأ وتدرك مواطن الجمال. فالمنهاج وضع ليربي ملكة الذوق فيك، ويحملك على التمييز والاستنتاج، ولأجل هذا قالوا: وزارة التربية بدلا من وزارة المعارف. فإذا ظللنا نحشوك بالمعلومات حشوا فنحن لا نربيك بل نعلمك، بل يا ليتنا نعلمك! فالعلم الذي لا يربي هو علم خير منه الجهل.

والخطر كل الخطر عليك أيها الطالب العزيز - إذا كنت تكتب صحيحا - هو في عدم فهمك الموضوع، إن في الموضوع الذي يعرض عليك سرا مخبأ ؛ فاجتهد دائما أن تكتشف ذلك السر، وإلا فتعبك يذهب عبثا.

إياك أن تأتي على جميع ما تعرف عن الشاعر إذا كلفت بحث إحدى نواحيه! ثم احذر التحويم حول الموضوع! قع عليه بدون مداورة ومقدمات لا طائل تحتها.

حاول أن تحسن الابتداء دون أن تلجأ إلى الزوائد، واحذر التطويل الذي لا طائل تحته، واكتب بخط واضح، فقد يكون الممتحن قد ثقل واسترخى بعد الغداء وتناول مسودتك فهو لا يوسع صدره، فتدبر أمرك ... ثم لا تكتب ما تؤاخذ عليه.

الشاعر أو الكاتب دنيا واسعة، ومن يصف دنيا بكاملها في ساعات معدودات؟! فاحصر نفسك حيث وضعك السؤال الذي طرح عليك، ولا تحاول الاستطراد لتسرد كل ما تعرف، فتطلب الزيادة فتقع في النقصان.

إن نصائحي لك كثيرة، وهي من بنات التجربة لا من بنيات الكتب، ولو شئت أن أسردها كلها لكتبت مجلدا، ولكنني لا أعتقد بفائدة النصح للطالب، فالطالب يسهر عليه ويسير، وإذا ترك أمره للنصيحة يركب رأسه ويسقط. فلا دواء لداء الطلاب في هذا الزمان أفضل من نظام حريف ورقابة لاذعة كاوية، وإلا فمصير الثقافة الانهيار ...

متى تستوي الطبخة؟

Unknown page