جمع "المسند" (١)، فمضى إليه ليُساعدَه عليه، وأقام عنده مُدَّة، وبالغ أبو الفضل في إكرامِه وأنفَقَ عليه نفقةً واسعةً وأعطاه شيئًا كثيرًا، وحَصَلَ له بسببه مالٌ جَزيلٌ، ولم يزَلْ عنده حتى فَرَغَ "المسند"، وكان يجتمعُ هو والحافظُ عبد الغنيِّ بن سعيد الأزديُّ (٢) على تخريج "المسند" وكتابتِه الى أن نَجَزَ (٣) .
وقد تعرَّض له بعضُ من ترجَمَ له بسبب هذه الرِّحلة وما أفاضَ عليه فيها ابنُ حِنْزابَة من مالٍ وافر، فقال اليافعيُّ: «قلت: فهذا ما لخَّصتُه من أقوال العلماء فى ترجمته، وكلُّ ذلك مدحٌ في حقِّه إلاَّ سفرَه إلى مصرَ من أجل الوزير المذكور؛ فإنَّه وإن كان ظاهرُه- كما قالوا- المساعدةُ له فى تخريج "المسند" المذكور، فلستُ أرى مثلَ هذا الإيقاع (٤) بأهل العلم ولا بأهل الدِّين، نعم لو كان مثلُ هذا لمُساعدةِ بعضِ أهل العلم والدِّين، لا يَشوبُه شيءٌ من أمور الدُّنيا، كان حسنًا منه وفضلًا وحِرصًا على نشر العلم والمساعدة فى الخير، وبعيدٌ أن تُطاوع النفوسُ لمثل هذا، إلاَّ إذا وفَّق الله، وذلك نادرٌ أومعدومٌ، وما على الفاضِل المتديِّن من أربابِ الولاياتِ ألَّفُوا أو
_________
(١) ذكر هذا "المسند" إسماعيلُ باشا البغداديُّ في "إيضاح المكنون" (٢/٤٨١)، وكحَّالة في "معجم المؤلفين" (١/٤٩٣) . ونقل الذهبيُّ في "سير أعلام النبلاء" (١٦/٤٨٧) في ترجمة الوزير ابن حنزابة عن ابن طاهر قال: «رأيتُ عند الحبَّال كثيرًا من الأجزاء التي خُرِّجتْ لابن حنزابة، وفي بعضها الجزءُ الموفي ألفًا من مسند كذا، والجزء الموفي خمسَ مئة من مسند كذا، وكذا سائرُ المسندات» .
(٢) سيأتي ذكره في تلاميذ الدارقطني.
(٣) انظر "مرآة الجنان" لليافعي (٢/٤٢٥) .
(٤) كذا في المطبوع من "مرآة الجنان"، ولعلها محرفة عن: «لائقًا» .
1 / 18