جلست لا إزار لك، فالتمس شيئًا"، فقال: ما أجد شيئًا، فقال: "التمس ولو خاتمًا من حديد" فالتمس فلم يجد شيئًا، فقال النبي ﷺ: "هل معك من القرآن شيء؟ " قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور يسميها، فقال النبي ﷺ: "قد زوجتكها بما معك من القرآن".
ولقد أعانهم على حفظه أيضًا كثرة تلاوته في الصلوات الخمس، وفي قيام الليل، وفي مجالسهم المختلفة، فقد تعبَّدهم الله بتلاوته وسماعه وتدبره والعمل به، وجعله منهج حياتهم ونور قلوبهم، وشفاء أرواحهم وأبدانهم، فجعلوه شغلهم الشاغل في حِلِّهم وترحالهم، فملك عليهم بحلاوته شغاف قلوبهم، وكان لهم الروح والريحان، فحفظه في صدورهم، واستعانوا على حفظه بكتابته كما قلنا، لئلَّا يفوتهم منه شيء.
وجمع القرآن معناه: حفظه في الصدور، ومعناه أيضًا: كتابته في الصحف، وضم بعضه إلى بعض.
وجمعه -بمعنى كتابته- حدث في الصدر الأول ثلاث مرات:
الأولى: في عهد النبي ﷺ.
والثانية: في خلافة أبي بكر ﵁.
والثالثة: على عهد عثمان ﵁.
وسنتكلم عن جمعه في كل عصر من هذه العصور الثلاثة بشيء من التفصيل.
جمعه في عصر النبي ﷺ:
حَفِظَ القرآن الكريم كله في عصر النبي ﷺ كثير من أصحابه، واشتهر بالحفظ منهم عدد؛ لكثرة تلاوتهم له، والتصدي لتعليمه وتفسيره، وجمعه في كتبهم، وغير ذلك من أسباب الشهرة الطيبة.
فما ورد من أنهم سبعة أو أقل، فإنه يحمل على من اشتُهر منهم، لا على إرادة الحصر.
فقد أورد البخاري في صحيحه ثلاث روايات، ذكر في مجموعها سبعة