Stops with Contemporary Issues: Suspicions and Responses
وقفات مع قضايا معاصرة شبهات ردود
Publisher
بداية للإنتاج الإعلامي
Edition Number
الأولى
Publication Year
٢٠١٠ م - ١٤٣١ هـ
Genres
وقفات مع
قضايا معاصرة
شبهات وردود
أ. حازم صلاح أبو إسماعيل
1 / 1
الجزء الأول
وقفات
قضايا معاصرة شبهات وردود
أ. حازم صلاح أبو إسماعيل
1 / 2
اسم الكتاب: وقفات: قضايا معاصرة شبهات ردود
اسم المؤلف: أ. حازم صلاح أبو إسماعيل
مقاس الكتاب: ١٤.٥× ٢٠.٥
إشراف ورؤية فنية: محمود خليل
تحرير ومراجعة لغوية: مسعد خيري
تصميم الغلاف: أسامة طه
تجهيز فني: أحمد علي
رقم الإيداع: ٢٣٧٨٥/ ٢٠٠٩
الطبعة الأولى ٢٠١٠ م/ ١٤٣١ هـ
جميع حقوق الطبع والتوزيع محفوظة في مصر والعالم لشركة
بداية للإنتاج الإعلامي
أحمد خليل - محمود خليل
٧ ش عبد العزيز - العتبة - القاهرة - ج. م. ع
تليفاكس: ٠٠٢٠٢٢٣٩٥٩٤٠٨ - ٤٧٠٠٠٧٢/ ٠١١/٠٠٢
www.bedaia.com
Email:bedaiasound@hotmail.com
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
مقدمة
إن أعداء الإسلام وهم مؤسسات ودول يعملون بقوة ضد الإسلام، يلتقطون الشبهات ليشوهوا صورة الإسلام، وليثيروا الريبة في نفوس أبنائه أنفسهم، ومع الأسف فقد استولوا على بعض الذين يتصورون أنهم مثقفون ليصبحوا خدمًا لهم، يعني أصبح من قومنا ومن شعوبنا من هم خدم لهذه الأفكار.
وهذا الأمر له سبب واحد وهو أن معلومات هؤلاء الخدم عن الإسلام لا تأتي من الإسلام، وإنما تأتي من أعداء الإسلام عن الإسلام.
وحول الشبهات التي تدور بذهن بعض المسلمين أو التي تكون مدخلًا لأعداء الإسلام كي يسمموا بها أفكار المسلمين ويثيروا الريبة في نفوسهم، ومنها مكانة المرأة وحقوقها ومدى عصمة الأنبياء ومشروعية الطلاق في
1 / 5
الإِسلام وحكمته كذلك تعدد الزوجات والرق والعلاقة بين القدر والدعاء وكيفية فهم القرآن والهدف من الخلق وغيرها من الموضوعات الشائكة التي نسأل الله تعالى أن يعيننا على فهم الحق فيها واتباعه وتبيانه للناس.
حازم صلاح أبو إسماعيل
1 / 6
الهداية ..
كيف تكون؟
1 / 7
الهداية .. كيف تكون؟
إن من أكثر الخواطر ترددًا على أذهان المسلمين وهم يسمعون آيات القرآن الكريم، والمسلمون -جزاهم الله خيرًا- يقاومون هذا الخاطر، ويحاولون ألا يظهروه، وأن يخفوه وأن يكبتوه في أنفسهم خوفًا من أن يكون هذا الخاطر فيه شيء من عدم الإجلال والاحترام لمقام الله رب العالمين ..
إن هذا الخاطر يسأل عنه كثيرون، وهو أنهم وهم يقرؤون القرآن يمرون كثيرًا بقول الله ﷿: ﴿يُضِلُّ مَن يشآء ويَهدِى مَن يشَآءُ﴾ [النحل:٩٣]، فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فتطرأ على الذهن شبهة، هذه الشبهة تقول: إذا كانت الهداية والإضلال مرتبطين بمشيئة الله ﷿، فكيف يحاسبنا الله على أفعالنا؟! نحن نعلم أن الله عدل، ولكن نريد أن نفهم، كيف يحاسبنا وهو يهدي من يشاء، ويضل من يشاء؟
وكما ذكرت أن المسلمين يقاومون، ويحاولون أن يخفوا هذا الخاطر حتى لا يقعوا فيما يناقض إجلال الله ﷿ لكن في الحقيقة هذا ليس منهج الإِسلام، منهج الإِسلام هو تجلية الحق، وإظهاره، منهج
1 / 8
الإِسلام ليس أن تمنع نفسك من طرح مثل هذا السؤال، بالعكس منهج الإِسلام أن تظهر ما عندك من سؤال؛ لأن الإِسلام ليس عنده ما يخفيه، الإِسلام دين قادر على أن يجيب على كل سؤال بتمكن واقتدار وكفاءة تامة.
ولذلك سبحان الله! بعض المسلمين أيضًا بدأوا يخرجون المسألة من الأزمة، وليجعلوها متناسبة مع العقل الحديث، فقالوا المقصود من الآية أن الله يضل بها من يشاء أن يضل، ويهدي من يشاء أن يهتدي، فيجعل الضمير عائدًا على الشخص نفسه.
وأنا أشكر هؤلاء لغيرتهم على الإِسلام، ولكن أنا أريد أن أجعل المسألة مستحكمة ثقة مني في دين الله، وفيما يطرحه من آيات الهدى البينة الرائعة، يقول الله تعالى: ﴿مَنْ يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٣٩]، من يشأ الله، فالمشيئة راجعة إلى الله، ويقول: ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧] .. لقد ذكروا أن الله هو الذي يقول: أتريدون أن تهدوا من أضل الله، فيكون قد ذكر أن الله يضلهم ..
فأنا أريد أن أقول لكم إن القرآن حتى حين يقول فمن يهديه من بعد الله، فمن يهدي من أضل الله، واضح وصريح في أن الله هو الذي يهدي وأَن الله هو الذي يضل ..
1 / 9
الآن قد حكمت لكم الموضوع حتى نصعبه .. حتى تفرحوا معي بعد ذلك بفهم آيات الله ..
إن هذا الدين لا يقوم به من يجهله أبدًا، ولا يقوم به إلا من أحاطه من جميع جوانبه وفهمه .. من أشرق الإيمان في قلبه، وأشرق النور في عقله وذهنه وفي فهمه وإدراكه ..
يقول الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)﴾ [العنكبوت] إذن نور الله ﷿ في هذا القرآن.
ولقد ظهرت هذه الإشكالية وهذا التساؤل الذي طُرح لدى البعض على أن المسألة مسألة مزاج، مزاج الله وحاشا لله أن يقول الإنسان على الله ﷿ ما لم يقله الله .. إذ يتصور البعض أن المسألة تتعلق بالحالة المزاجية، وطبعًا الله ليس كمثله شيء، لكن حاشا لله ذلك، هذا ليس شأن الله أبدًا .. بل شأن الله ﷿ أن كل شيء عنده بمقدار، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: ٢]، ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩)﴾ [القمر]، ﴿سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا (٢٣)﴾ [الفتح]، ﴿وَلَا تِجَدُ لِسُنَّتِنَا تًحوِيلًا﴾ [الإسراء:٧٧]، فهناك معيار محدد، مقياس محدد .. لكن من أين نأتي بهذا المعيار والمقياس في قوله تعالى: (يهدي من يشاء ويضل من يشاء)؟
1 / 10
لقد فهم البعض أن الإضلال والغواية مسألة بدون معيار، لكن في حقيقة الأمر عندما يقول الله ﷾ إنه يضل من يشاء، فقد ذكر هذه الفئات المحددة التي شاء الله إضلالها، أو يشاء الله إضلالها، ذكرها تحديدًا .. كما أنه ذكر الفئات التي يشاء الله هداها، ذكرها مثل القانون ..
القانون يقول: إلا الفئات كذا والفئات مذكورة في مواد أخرى، فكذلك كأن القرآن يقول: إن الله يهدي من يشاء ممن ذكرته لكم في آيات القرآن أن الله يشاء هداه، والله يضل من يشاء من الفئات التي يشاء الله إضلالها ممن ذكرها في القرآن ..
والسؤال من الذي يشاء الله إضلاله، ومن الذي يريد الله هدايته قد ورد في نص القرآن .. يقول الله ﵎ مثلًا عن الذين يضلهم الله ﷾: ﴿وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: ٢٧] ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦].
إذن هؤلاء قوم اتخذوا قرارًا بالظلم أولًا، فدخلوا في فئة اسمها "الظالمون"، ولقد ذكر الله أنه يضل الظالمين، وهؤلاء اتخذوا قرارًا مسبقًا بالفسق، والله تعالى ذكر أن الفاسقين يضلهم الله، وذكر الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: ٢٨] .. هؤلاء
1 / 11
أسرفوا على أنفسهم في المعصية والكذب، ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣]، فالآيات محددة والمسألة ليست مطلقة كأن يختار الله مثلًا فلانًا ليهديه، وفلانًا فلا يهديه، لا .. حاشا لله أن يكون الأمر بهذه الصورة، وإنما هو معيار منضبط، ﴿وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ [يوسف: ٥٢]، مع أن هذه الآية لها أيضًا بعد آخر، ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللهُ﴾ [النحل: ١٠٤]، يعني هم اتخذوا قرارًا بالكفر فأصبحوا خارج دائرة الهداية، اتخذوا قرارًا بالظلم، فأخرجوا أنفسهم خارج دائرة الهداية، هذا قرارهم المسبق، هم اتخذوه، هم أسرفوا، هم كفروا، هم خانوا .. ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧)﴾ [النساء] الآية ذكرها الله عن المنافقين، إذ إنهم يتلاعبون بالدين .. ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧)﴾ [النساء] إذن هم فئة محددة، متلاعبة بالدين؛ لذلك فإن الله يضل من يشاء لأنهم استحقوا هذا الإضلال .. يقول الله ﵎: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨)﴾ [النساء] في الآية الأولى "ولا ليهديهم سبيلًا"، وفي الثانية "ولا ليهديهم طريقًا" .. إن الذين كفروا
1 / 12
وظلموا وهذه الفئة جمعت بين الكفر والظلم .. إذن الله لا يهدي الكافرين، الله لا يهدي الفاسقين، الله لايهدي الظالمين، ولا يهدي المنافقين، ولا يهدي المتلاعبين، ولا يهدي من هو مسرف كذاب، ولا من هو كاذب كفار ..
إذن هي فئات ذكرها الله ﵎، حتى عندما ذكر عن قوم ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] .. وقوله: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ٤١] ثم قال عن هذه الفئة: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ [المائدة: ٤١].
لذا حينما تسمع قوله تعالى: "إن الله يضل من يشاء" إياك أن تعتقد أنها فئات مجهولة، أو مسألة متروكة للهوي .. وإنما هي سنن وقواعد وقوانين ومعايير أوحاها الله إلينا، وعرّفنا بها، ولكننا نمر علي آيات القرآن، ولا نقف عندها برغم وضوح الرؤية في آيات القرآن بشأنها ..
أما الهداية .. سبحان الله! فقد ذكرها الله تعالي أيضًا تحديدًا حتى نعلم أن الآية تحيل إلى آيات أخرى؛ لأن العبرة بمجمل آيات القرآن، مثلًا يقول الله ﷾: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨)﴾ [الزمر] ..
1 / 13
إذن يهدي الله أصحاب صفات أولي الألباب، وفي سورة الرعد صفات لأولي الألباب، والسؤال: من هم أولو الألباب؟ ويمكننا معرفة ذلك من تتبع صفات أولي الألباب في القرآن الكريم ..
أيضًا يهدي الله المتقين، وكذلك مِن الذين يهديهم الله من اتخذوا قرارًا بالإيمان والعمل الصالح، يقول الله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة:٢٧٧] يقول الله تعالى عنهم والذين اهتدوا، هم آمنوا واتخذوا قرارًا بالهدى، ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧)﴾ [محمد] ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن: ١١] لما جاءهم الهدى اهتدوا ..
إذن هؤلاء اتخذوا القرار، فالله لا يعبث، حاشاه ذلك، بل إن الله جعل لنا مشيئة، قال من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، فلا يعطل هذه المشيئة .. ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٠١] فهم اعتصموا بالله ..
ويقول الله تعالي: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ﴾ [القصص: ٥٠] اتبع هواه بغير هدى من الله، هو لا يسير على هدى من الله، وإنما هو يسير هكذا، يدخن السجائر ويصادق زميلات في العمل، والأمور لديه غير منضبطة تمامًا وأحيانًا يصلي وأحيانًا أخرى
1 / 14
لا يصلي .. هو شخص يتبع هواه بغير هدى من الله .. يقول الله تعالي: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ﴾ [النساء:٦٦] فهذه خطوة يقوم بها المسلم، ويقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء:٦٦]، ﴿وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٦٨)﴾ [النساء].
إذن الهدى للذي يستمع للموعظة وينفذها، فيأتيه الهدى، ويتبعه، وهذا بخلاف الذي يأتيه الهدى ولا يتبعه .. فحينما يقول الله ﷿: "إن الله يهدي من يشاء" ليس معناها أن الله يهدي من لا يستحق، فهو الله تعالى رب العالمين، ليس كمثله شيء، فكل شيء عند الله تعالى بمقدار، يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: ٦٩] .. جاهدوا أي تحركوا إلى الله ﷿ فاستحقوا الهداية ..
والسؤال: ما هي العملة .. عملة الهداية وعملة الغواية؟ العملة هي الخطوة السابقة، الله تعالى بعث إليك الهدى، فتقبله أو ترفضه، إن قبلته فقد حزت العملة التي بها تشتري الهدى، أنك قبلت وأقبلت، وإن رفضت الهدى، فإنك بذلك تكون قد فقدت العملة، وليس معك عملة لشراء الهدى.
1 / 15
لذلك كما ذكرت من قبل، ذكر القرآن عن قوم أنه هداهم وهم كفار، وقال إن الله قد هداهم .. قال عن ثمود الذين عذبوا وماتوا كفارًا: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [فصلَت:١٧] ثم قال: ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، وعن فرعون ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾ [النازعات ١٩] أي أنه هو الذي رفض الهدى، وقال عن آزر والد إبراهم عليه الصلاه والسلام أو عمه، ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣)﴾ [مريم] سأهديك .. الهدى معناها الدلالة علي الخير، بل إن الله ﷿ يذكر أن الكفار اتخذوا قرارًا بألا يؤمنو في، ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص: ٥٧] .. ويقول تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ [الأنعام:١١٦] هذا وصف عن الكفار .. وقال: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [النجم:٢٣] ما هذا؟ أيذكر القرآن عن قوم أنهم قد جاءهم من ربهم الهدى وهم يتبعون الظن وما تهوي الأنفس وهم كفار؟ والجواب نعم .. وذلك لإبطال حجتهم يوم القيامة.
ولذلك حينما تقرأ سورة الزمر تجد ردًا علي من يريد أن يتحجج وذلك حتي لا يأتي شخص يوم القيامة ويقول ﴿لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [الزمر:٥٧] حتي لا تزعم نفس هذا ..
1 / 16
وهذا الكلام يقوله البعض، فيقول أحدهم: "لوكان الله هداني لكنت وكنت، لكن هذا أمر خاص بالله، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ويبدو أن الله لا يريد أن يهديني" وهذا كلام خاطئ، وللأسف بسبب مشاهدة الأفلام والمسلسلات والممثلين والممثلات، صارت هذه هي ثقافة المسلمين اليوم، يقول الله ﷿ في هذا الأمر: ﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧)﴾ [الزمر] ثم ثم يقول: ﴿بَلَى﴾ يعني بلي بل هديتك وأعطيتك الهدي، ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٥٩)﴾ [الزمر:٥٩].
ولذلك لا بد أن نعلم قوله صلي الله عليه وسلم مخبرًا عن ربه في الحديث القدسي: "من تقرب إلى شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إلى ذراعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" ..
طبعًا هذا تمثيل لمعني اللفظ وليس لفعل الله، فلابد إذن من اتخاذ خطوة، وخطوة من الله ﷿ أنه أرسل رسوله بالهدي والدلالة علي الخير ودين الحق ليظهره علي الدين كله، فمن استجاب وآمن وأجاب واتبع فإن الله سيعطيه الهدي، ومن رفض وكفر وظلم وكان مسرفًا ومرتابًا وكذابًا وظلومًا وكفر ثم آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر وتلاعب ولم يؤمن بآيات الله و.. و.. فإن الله تعالى يضله.
1 / 17
كيف يضله الله؟
هذه نقطة هامة جدًا، فالناس يتصورون أن الله له فعل إضلال، وإنما يقول الله تعالى: ﴿وَيَذَرُهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأعراف:١٨٦] .. ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)﴾ [يونس] .. إذن الإضلال أن يُتركوا فيما اختاروه، بل لا يكتب الله تعالى عليهم الضلال بمعنى أن يجبرهم عليه وإلا فأين ذلك من قول الله ﷾: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف:٢٩]، فتقول له يا رب كيف أشاء أنا إن كنت تجبرني، فيقول لا، الضلال هنا هو مجرد أنك تُترك، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)﴾ [الإنسان:٣].
إذن مسألة الإيمان والكفر ليست مسألة مطلقة بدون قواعد، وإنما هي مسألة تتم طبقًا لقواعد محددة سلفًا.
1 / 18
الحرية في الإِسلام
يقول الله ﷿: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ في [المجادلة:١١] .. إن العلم هو هذا الذي نفعله حين نتدارس آيات الله ﷿ ..
ومن الأمور التي ترد على أذهان البعض مسألة الرق، كيف يسمح الإِسلام أن يكون بشر مالكًا لبشر آخر ونحن نقول إن الإِسلام دين الكرامة الإنسانية؟!
وأنا أقرأ الآيات التي تذكر الإماء والعبيد والحرائر .. فهل يعقل أن الإِسلام الذي يتكلم عن الحرية البشرية والكرامة الإنسانية وتحرير البشر يسمح بأن يكون هناك بشر ملكًا لبشر؟! ويكون هذا عبد فلان وهذه أمة فلان، ويصبحون ميراثًا يورث .. كيف؟!
لماذا لم يحرم الإِسلام الرق؟ وهل من حق الناس أن يقولوا إن المدنية الحديثة والحضارة الحالية أرشد من الإِسلام لأنها حرمت الرق وجعلته محرمًا أما الإِسلام فأباحه؟
من يقول هذا -جزاه الله خيرًا- يغار على الإِسلام ولكن لو علمنا روعة عطاء الإِسلام وتناوله لقضية الرق سنعرف أن هذا الموضوع من
1 / 19
مفاخر الإِسلام في باب الحريه وفي باب الكرامة الإنسانية وفي باب تحرير البشر حتى العبيد.
إن الرق في التاريخ البشري كانت له مصادر كثيرة جدًا .. وأنا لا أخص في المجتمع العربي في الجاهلية فقط وإنما كل المجتمعات ولنذهب إلى كليات الحقوق ونسأل عما يدرسونه في القانون الروماني أو القانون عند الآشوريين والبابليين والفراعنة وغيرهم. إن الرق في التاريخ البشري كانت له منابع كثيرة .. كانت هناك حروب وكان المنتصر يأخذ المهزوم ويسترقه .. أيضًا لو أن هناك إنسانًا له دين عند إنسان وعجز المدين عن أن يسدد الدين للدائن فيأخذ المدين نفسه بدلًا من المال ..
وكان المجتمع يمكّن الإنسان من هذا ولا يمكن المدين من الفرار .. فمثلًا إذا خطف شخص من أهله وكان في حيازة شخص آخر فهو ملك له، وله أن يذهب به إلى سوق العبيد ليبيعه ويتم البيع والشراء حتى لو كان هذا الشخص أباه أو أمه، وكان إذا ضاع طفل يجيء أهله ليشتروه ويحرروه من الشخص الذي وجده لأنه قد أصبح عبدًا ومملوكًا ومسترقًا بمقتضى جريمة الاختطاف، والمجتمع يمكنه من ذلك .. وهذا ما حدث مع "زيد بن حارثة" عندما عرف أبوه وأهله مكانه فسافروا بلادًا وصحراوات كثيرة حتى أتوا النبي ﷺ وقالوا له: ندفع لك ونشتري ابننا .. لكن النبي
1 / 20