287

Yanābīʿ al-minbar majmūʿat khuṭab wa-maqālāt al-majmūʿa al-ūlā

ينابيع المنبر مجموعة خطب ومقالات المجموعة الأولى

Genres

أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو: ﴿وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ (١)، فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ومضى إلى بيت أبي بكر، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلًا حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن.
وبقي المحاصرون ينتظرون وجاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدا، قال: خبتم وخسرتم، قد والله مرَّ بكم، وذرَّ على رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته، قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا عليًا، فقالوا: والله إن هذا لمحمد نائمًا، عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، وقام عليّ عن الفراش، فسقط في أيديهم، وسألوه عن رسول الله ﷺ، فقال: لا علم لي به.
غادر رسول الله ﷺ بيته في ليلة ٢٧ من شهر صفر سنة أربعة عشر من النبوة، وأتى إلى دار رفيقه - وآمن الناس عليه في صحبته وماله - أبي بكر ﵁. ثم غادرا من باب خلفي، ليخرجا من مكة على عجل، وقبل أن يطلع الفجر.
وسلك طريقًا يُضاد الطريق المعروف تماما، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور، وهذا جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقى، ذا أحجار كثيرة، فحفيت قدما رسول الله ﷺ، وقيل: بل كان يمشي في الطريق على أطراف قدميه كي يخفي أثره

(١) [يس: ٩].

1 / 287