ختام
وَقد رَأينَا أَن نختم هَذَا التَّعْلِيق بِكَلِمَات لأبي بكر الصّديق رضوَان الله عَلَيْهِ مِمَّا وصّى بِهِ يزِيد بن أبي سُفْيَان لما أنفذه على العساكر إِلَى الشَّام فَإِنَّهَا من البلاغة البديعة والوصايا العجيبة
وَهِي قَوْله
ابدأ جندك بِالْخَيرِ وعدهم مَا بعده وَإِذا وعظت فأوجز فَإِن الْكَلَام إِذا كثر نسى الأول بِالْآخرِ واصلح نَفسك يصلح لَك النَّاس فَإِن الْأَمِير إِنَّمَا يتَقرَّب إِلَيْهِ بِمثل فعله وَلَا تغفل عَن الصَّلَاة إِذا دخل وَقتهَا وليؤذن الْمُؤَذّن فِي عسكرك ثمَّ أبرز فصل بِمن أحب الصَّلَاة خَلفك
وَإِذا قدمت عَلَيْك رسل الْعَدو فَأكْرم منزلهم وأقلل مقامهم لِيخْرجُوا من عسكرك وهم جاهلون بِهِ غير عارفين بخلل إِن كَانَ فِيهِ وأنزلهم فِي جُمْهُور كثير من عسكرك وامنع كل وَاحِد من محادثتهم وَكن أَنْت الْمُتَوَلِي لكلامهم
وَلَا تجْعَل سرك مثل علانيتك فيختلط أَمرك وَإِذا استشرت فحقق الحَدِيث وَلَا تكْتم بعض ليتَحَقَّق الرَّأْي فَإِذا علمت لِلْعَدو عَورَة فاكتمها حَتَّى تأتيها واسهر بِاللَّيْلِ فِي مجْلِس تَتَحَدَّث فِيهِ مَعَ أَصْحَابك فَإِن ذَلِك يَأْتِيك بالأخبار وبدد حرسك وَأكْثر مفاجأتهم فِي ممارسهم بِغَيْر علم مِنْهُم بك
فَمن وجدته قد غفل عَن محرسه فعاقبه وَاجعَل حراسة اللَّيْل بَينهم نوبا والنوبة الأولى أطول فَإِنَّهَا أيسر لاتصال النَّهَار بهَا وَلَا تخف من عقوبتهم فيضعن النَّاس بِأَن يروك قد عممت بالحدود ثمَّ خصصت بِالْعَفو بعض الْجنُود وَلَا تلجن فِي الْعقُوبَة فَإِن أدناها وجيع وَلَا تسرع إِلَيْهَا وَأَنت تكتفي بغَيْرهَا وَلَا تغفل عَن عسكرك فتفسده المتاركة وَلَا تجسسه فتفضحه
1 / 59