Siyar Malahim Shacbiyya Wa Carabiyya
السير والملاحم الشعبية العربية
Genres
وما فعلا في يوم حرب الأعاجم
لكن المنذر يعلم أن الفرس سيعاودون الكرة، وأدرك هو أن سلامته وسلامة بلاده تتطلب منه أن يكون جبهة قوية ضد العجم؛ أعني: لا بد وأن ينادي بوجوب تعاون العرب واتحادهم في سبيل الوقوف في وجه العدو الخارجي، وهنا نرى السيرة تحدثنا عن الدولة العربية حديثا لا يقل طرافة عن أحاديث اليوم؛ ففي الصحيفة الثامنة والأربعين بعد المائة نرى المنذر يخاطب عنترة ويقول: ولكن يا ولدي من الرأي أن أكتب إلى سائر القبائل، وأجمع العرب من الأحياء والمناهل، وأتأهب لحرب الملك كسرى؛ فإنه لا بد أن يعود إلينا ويسطو بعساكره علينا، وأول ما أرسل إلى قومك بني عبس وعدنان وفزارة ونبهان وسائر بني غطفان، ولا أزال إلى أن أقيم دولة العرب وأذل عباد النار واللهب.
لكن بينما المنذر يعمل لجمع شمل العرب إذا بعمر بن نفيلة يظهر على المسرح كوزير للمنذر ويعرض عليه خير التوسط بينه وبين كسرى لإزالة أسباب النزاع، ثم تقفز السيرة إلى القرن الحادي عشر الميلادي حيث الحروب الصليبية، وتحدثنا عن بطريق جبار وفارس من كبار الفرسان يدعى «بضرموت» الذي هو بوهيمند والذي هزم سائر فرسان إيران، ولم ينقذ كسرى منه إلا البطل العبسي عنترة، وبعد حفلات الوداع والتكريم نراه يعود إلى عبلة ومعه المهر والكثير من الهدايا لكن عمه مالك يرفض زواجه بها؛ لأن السيرة تلح في خلق خصوم لعنترة يشاطرونه حب عبلة والهيام بها وعنترة يكافح ضدهم بإخلاصه للعبسيين حين.
وفي أثناء هذا النزاع بين الفارس وقبيلته نقرأ وصفا لمعركة نشبت بين بني عامر تحت إمرة خالد بن جعفر والعبسيين بزعامة زهير بن جذيمة الذي قتل في هذه المعركة ونبا سيف ابن ورقاء عندما هوى به على خالد يريد قتله وإنقاذ والده، وإلى هذه الحادثة أشار الفرزدق معرضا بأخوال سليمان بن عبد الملك:
إن يك سيف خان أو قدر أبى
وتأخير نفس حتفها غير شاهد
فسيف بني عبس وقد ضربوا به
نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
ثم تعرض السيرة للغسانيين وتتحدث عنهم وعن المسيحيين وتصل بينهم وبين نصارى نجران، ثم تصف زواج عبلة بعنترة وتنتهز هذه الفرصة وتذكر لنا حلفاء العبسيين ومنهم العدناني ومنهم القحطاني، وبعد أن تفرغ من ذلك تواصل سرد أعمال عنترة، فتخلع عليه ثوبا إسلاميا، وتنسب إليه حرب النبي ليهود خيبر ثم تنتقل بنا من قبيلة إلى أخرى حتى نرى عنترة في «بلاط قيصر الذي وهبه جارية» تسمى مريم والتي وضعت لعنترة ابنه «جوفران»، ومن المرجح أنه أحد فرسان الحروب الصليبية المسمى «جودي فروي» أوائل القرن الحادي عشر، وتختتم السيرة بالحديث عن الفتوحات الإسلامية وعن مصر وشمال أفريقيا والأندلس.
والآن بعد هذا العرض نوجه إلى أنفسنا السؤال الآتي: ما هي حقيقة السيرة؟ وأين ومتى ألفت؟ ليس من العسير الإجابة على هذا السؤال؛ فالقارئ المثقف يقرأها دون كبير عناء، وأن يخرج منها بأنها عرض موقف للقبائل العربية وعاداتها وتقليدها وحروبها في تلك الفترة التي سبقت الإسلام أو مهدت لظهوره، فهنا نرى العدنانية تنتصر على القحطانية، بل وتخالف السنن والأوضاع المعروفة عند العرب من قبل وتلحق بنسبها عنترة ابن الأمة الحبشية، تزوجه عبلة بنت مالك أحد سادة بني عبس، فتمحو بذلك الفوارق الجنسية وتحطم الحواجز القائمة بين أفراد القبيلة الواحدة.
Unknown page