Siyar Malahim Shacbiyya Wa Carabiyya
السير والملاحم الشعبية العربية
Genres
وإذا ما أخذنا مثلا عينيا تطبيقيا، من ملحمة الزير سالم وحرب البسوس التي امتدت إلى أربعين عاما؛ نجد أن سبب الحرب هو شرود ناقة البسوس «سراب» في حمى كليب الذي يحدده نباح كلبه «جرو» وكسر بيضة يمامته التي تسمى بها «أبو اليمامة» فكانت حرب الأربعين أو البسوس، ونجد أن الناقة - أو الجمل أو البعير - تعد بالفعل من أقدم المعبودات العربية التي عبدت في ممالك تدمر،
1
في اليمن والحجاز وتخومها وسوريا، وكانت تعرف باسمها الأنثوي - كما هو الحال مع ناقة البسوس - باسم بعل أو بعله، أو هبل - فيما بعد - وهو الإله الذي استقدمه الكاهن عمرو بن لحي الجرهمي ونصبه في جوف الكعبة وارتبط بشعائر ضرب القداح، وما من أمر قام به العربي الجاهلي ولم يستشر فيه هبل، فكان في جوف الكعبة، وقدامه سبعة أقداح، مكتوب في أولها «صريح» والآخر «ملصق»، فإذا شكوا في مولود أهدوا إليه هدية، ثم ضربوا بالقداح فإن خرج «صريح» ألحقوه، وإن خرج «ملصق» دفعوه، فكان لكل مطلب قدح، قدح على الميت، وقدح على النكاح، وقدح للاختصام والسفر والعمل.
ويبدو أن الجاهلين كانوا قد استقدموا صنمه، من خارج الجزيرة العربية، ويرجح أنهم جاءوا به من العراق؛ إذ إن تمثاله بحسب وصف ابن الكلبي، كان «من عقيق أحمر على صورة إنسان مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش فجعلت له يدا من الذهب» وكان قربان هذا الإله مائة بعير.
ومما يرجح طوطمية ناقة البسوس أنها كانت ناقة سائمة، على عادة الشعائر التي عرفها العرب الجاهلين - باسم البحيرة سائمة والوصيلة - مثل ناقة صالح، مع ملاحظة أن اسم صالح، كان أيضا اسما لصنم، كشف عنه الكشوف الحفائرية اللحيانية والصوفية، مثل: «اللات - العزى - مناة - عوض
2 - ديدان - إحرام - جد - ذو الشرى - صالح».
فحكايات ومأثورات الحيوان والطيور - الطوطمية - يرى البعض أنها أكثر قدما من الأساطير، وأنها ترجع إلى مراحل التوحش والطوطمية، فهي حكايات تقرب إلى التعليمية أو الشرح والتفسير، كما أنها حكايات ملخصة، غاية في الدقة من حيث التصميم والتلخيص، لها مغزاها أو حكمتها ودقة ملاحظتها، بالنسبة للطبيعة وغموضها ومخلوقاتها، وكذلك بالنسبة لحكمة الإنسان البدائي وفلسفته بإزاء قدرات الحيوانات والطيور والزواحف والهوام والنباتات، التي حرم منها الإنسان، بعجزه عن الطيران، والغوص في الماء وتغيير الجلد، والصوت العالي أو النباح - كالكلب - وقوى الحيوانات الوحشية والبهيمية، وهكذا.
ويحتفي دارسو الفولكلور بحكايات الحيوانات والطيور والنباتات، والزواحف احتفاء خاصا، هذا على الرغم من إيجازها الشديد، بل وواقعيتها الشارحة المحددة، وهناك من يرى أن حكايات الحيوان هي بداية الأساطير وأنها أكثر قدما وبدائية منها؛ إذ إنها كانت وعاء لشرح وتقديم الأفكار والمعتقدات؛ أي أن أكثر هذه المعتقدات كان يتجسد في شكل حيوانات وطيور، فالإله زيوس كان نسرا والإلهة أثينا كانت بومة، وهيرا كانت بقرة، والإله النوردي ثور كان طائر جنة صغير، والإله تير كان ذئبا، مثله في هذا مثل الإله الروماني مارس وضريبة السليثي ديباتر.
كما أن هنا شبه إجماع من جانب دارسي الفولكلور على أن قصص الحيوان الشارحة، أسبق من الخرافات.
وقصص الحيوان الشارحة هي تلك القصص التي فسر بمقتضاها الأقدمون الفرق بين حيوان وآخر، بين طبيعة ولون وخصائص الذئب عن الحمل، ولون الحمامة الأبيض المخالف للون الغراب الأسود، وكذلك التفسيرات الغيبية التي فسر بها البدائيون السبب أو السر في بريق عيون القطط في الظلام، واستطالة أذنا الأرنب والحمار، واختفاء الخفافيش عن العيون نهارا هربا من الدائنين، وغوص الطائر البحري إلى أعماق الماء بحثا عن الأشياء الغارقة، وكذا تسبيح الكروان، ودعاء الحمامة بالعماء على من سرق بيضها، ونهيق الحمار،
Unknown page