بيان
سر الزخرفة الإسلامية
الذيل
مسرد عربي-فرنسي لاصطلاحات الفلسفة والفن
بيان
سر الزخرفة الإسلامية
الذيل
مسرد عربي-فرنسي لاصطلاحات الفلسفة والفن
سر الزخرفة الإسلامية
سر الزخرفة الإسلامية
تأليف
بشر فارس
إلى صحوة الذوق في الشرق العربي.
ب. ف.
بيان
هذه لفتات سنحت للفكر، وظني أني حاولت استشراف أفق لم ينفسح كل عنانه على هذه الصورة، بعد. فقلما تركز الآثار الإسلامية - عند التبصر والتفهم - في البيئة التي أنبتتها وأنمتها. مع أن أصول الفن ولائد منى ورؤى، هي مشروطة، سرا أو علانية، بمقاصد وعقائد. فلا بد من الرجوع إلى هذه في تلطف، إرادة استشفاف ما وراء الأشكال المخططة، ولا سيما إذا كانت للبيئة يد ذات سلطان مستحكم مستطير. وما أحسبك تلقى ملة كبيرة تحضرت، فأنست باللطيف والدقيق من العمران، تسلم سكناتها لأسرار دينها، وتوثيق إشاراتها بأحكام فروضه، فوق ما أسلمت الملة الإسلامية وأوثقت.
هذه اللفتات قيدت باللغتين العربية والفرنسية في آن، ثم أريد لصاحبها أن يعرضها في الفرنسية على جمهور من أهل الدراية، فعرض منها شقا في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، في الخامس من يونيه سنة 1947، ثم شقا في متحف اللوفر بباريس، في السادس من نوفمبر سنة 1948. وها هي ذي في نصيها المتوافقين، بعد أن رزقت حظها من الإضافة.
وقد تردد المؤلف هل يرخي من نسج النص العربي، فيخرجه مخرج الإنشاء اليسير، بأن يحرمه خصائص التغلغل في تدقيق. غير أنه رأى أن مثل ذاك الإرخاء لا يجمل بثقافة أصبح أنصارها المتشوفون عندنا على غير نشاط للأسلوب، الذي يصير إلى خفة بضاعة أو فضول أداء، أو بهرج صناعة، أو ترداد مقول في معالجة المطالب التي يتجاذبها الأدب المرهف والعلم المترف.
ولكي تستقيم أداة التعبير في هذا الباب تستعمل ألفاظ هي من مصطلح الفلسفة تارة والفن تارة، وبعض الألفاظ متداول متعارف، وبعضها مما وقع للمؤلف من طريق المطالعة والتنقيب، أو مما استنبطه مجتهدا اليوم أو بالأمس. ثم إن جملة الألفاظ تتلاحق في مسرد عربي-فرنسي لأجل التيسير والإفادة.
وبعد هذا المسرد تقع الألواح فيشترك النصان فيها، وتحوي الألواح سبعة وعشرين أثرا مصورا، منها ثلاث وعشرون طرفة كانت مطوية، فتبدو للعيان مع هذه الرسالة. ويجد القارئ المتقصي أوصاف الطرف في جدول التزاويق اللاحق بالنص الفرنسي. وفي الألواح اعتمد التاريخ الميلادي لانتشاره تحت أقلام المشتغلين بالفنون، إلا إذا كان الأثر معلوم التاريخ بالسنين الهجرية، ثم إن ترتيب الألواح منساق من اليمين إلى اليسار.
وفي مجرى النص العربي أرقام ترجع إلى تعليقات، وتهدي إلى مصادر يصيبها القارئ الطلعة في ذيل النص؛ فهنالك وثائق تنقلب إلى أيام نضرت فيها الحضارة الإسلامية، ورقت حاشيتها العربية، وثلاث الوثائق ظلت دفينة في بطون المخطوطات حتى اليوم:
الوثيقة الأولى صاحبها أبو علي الفارسي، من أهل المائة الرابعة للهجرة، وهي تشهد بأن تحريم التصوير في الإسلام مقيد؛ إذ يجري حكمه عند إجماع العلماء في عهد المؤلف «على من صور الله تصوير الأجسام»، فمن صنع غير ذلك «لم يستحق الغضب من الله، والوعيد عند المسلمين.» وهكذا يتقدم نص الفارسي بين يدي نهضتنا الفنية، فيزيد في إطلاق جناحها الوثاب. والوثيقة الثانية من المائة نفسها، يلمع فيها صاحبها، وهو الفارابي الفيلسوف، إلى أن المصورات شريفة الوقع في الخاطر، جليلة النفع للنفس أحيانا. وأما الثالثة فمقتطفة من كتاب «مفرج النفس» للمظفر بن قاضي بعلبك المتوفى في المائة السابعة، بعد أن تصرف في الكتاب طبيب مغمور يقال له ابن المرة، وفي هذه الوثيقة شرح لانفعالات النفس اللطيفة بأصناف الألوان، فإما ابتهاج وإما اغتمام، ومن عجيب التوارد أن هذه المسألة الداخلة في علم النفس المتصل بوظائف الأعضاء مما يشغل الآن علماء الغرب.
وإلى جنب هذه الوثائق المطوية فقرة منشورة في كتاب «الحيوان» للجاحظ، تسوق الذهن إلى أن الفنان المسلم إذا تخيل صورا مستطرفة، فكأنه يلمح بلحظ الغيب إلى ما يخلقه الله العلي القدير من أشكال لم يبلغ إليها علم.
هذا، ولعل في كل ذلك ما يعود على ثقافتنا الحاضرة ببعض الفائدة.
بشر فارس
من أعضاء المجمع العلمي المصري
والمعهد الفرنسي للآثار الشرقية
القاهرة، أغسطس 1951
سر الزخرفة الإسلامية
1
في باب الزخرف طلعت العبقرية العربية مطلعها إبان الإسلام، وآتت نضارتها، ومن الوهم أن يذهب أحد إلى أنها خفت لهذا الباب، وتشبثت به في إسراف؛ لأنها كانت تكره تمثيل الأشكال الحية، ذلك التمثيل الذي حرمه الرسول فيما يرويه أهل الورع من حملة السنة، فالتحريم الذي كان يقصد - أول ما يقصد - إلى صد الناس عن الرجعة لعبادة الأوثان، لم يستبد بتوجيه الفن الإسلامي في العصور الأوائل. مصداق هذا طائفة من شهادات الأدباء والمؤرخين (اطلب كلام أبي علي الفارسي الذيل رقم 1) بجنب آثار قائمة لا يأخذها العد (في الألواح بعض النماذج).
وقد بات التحريم في البلدان العربية محدود التأثير بالجملة، إلى أن عنفت ببهجة الفن هبة من هبات المتشددين في مصر وفي الشام خاصة، حول المائة السابعة للهجرة. وواطأ ذلك العنف أن فتكت سنابك التتار الآثمة برياض الفن يوم دمروا بغداد، فأذاقوا الحضارة بلية ما دخل الإسلام قط في مثلها. ثم ما كاد يفلت من حرج التحريم سوى فارس؛ إذ ظلت بنجوة من النير الطوراني الغشوم، فمضت تنعم برياض الفن الطليق، حتى إن أكثر المولعين بالطرف لهذا العهد يتوهمون أن كل أثر إسلامي - وإن تقادم - إذا اتفق له أن يتخطى براعة التخطيط ليترجم أشكال الإنسان والحيوان، فإنما هو سليل المذهب الإيراني.
2
إن لب الزخرفة العربية كامن في طيات ما يسميه علماء الآثار «الأرابسك»، وأعبر عنه، من باب الاجتهاد، بكلمة «الرقش».
من الممكن أن تتبين في الرقش عنصرين ثابتين، تمدهما الطبيعة خفية، ويقيم الاعتدال بينهما إحساس بالمناسبة دفين رهيف، ثم يحول من أوضاعهما اختلاف الأمكنة والعهود، بفضل ارتقاء متصل في جانب الحجم وفي جانب الشكل. وأما العنصران؛ فمن جهة تأويل النبات، ولا سيما الورقة والساق، تأويلا كله هزة (اللوح 1). ومن جهة استغلال الخطوط استغلالا يجريه التصور (اللوح 2).
ومن وراء العنصرين مبدآن: الأول يظهر كأنه العبث. والثاني يبرز في هيئة التدقيق الهندسي. ومن هنا تخرج طريقتان: «الرمي»، و«الخيط»، على حد تعبير المعاصرين من أهل الصناعة في دمشق خاصة (كأنما يد الصناع تنظم الخطوط بخيط، أو تفرش الورقة والساق من طريق الرمي). وهذان المبدآن يتنافران في الظاهر، على حين أنهما يلتقيان في اتفاق عجيب يضم التمثيل إلى الشعور، بل هما يأتلفان حتى التعانق والملابسة.
وبعيد أن ينحدر الرقش من بدوات العبث وإن زعم قوم من النقاد هذا؛ فالرقش ثمرة التوقان الإسلامي؛ ثمرة منقاة، وتوقان مذعان يختلج على هلع.
على المؤمن أن يتوجه بكيانه إلى الله؛ فالله مصدر جذبه وغاية سعيه في آن واحد، وفي القرآن:
ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله (البقرة: 115).
وفيه أيضا:
ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون (الروم: 38).
هذان معنيان لا يفتأ كتاب الإسلام يرددهما.
على أن الله جد مخالف لعباده، من حيث هو قائم بنفسه في تنزيه مطلق، يفوت مرمى الحس، وعلى هذا إن قوة إدراك الحيز لا تجد راحة؛ إذ لا تنفك تبحث عن لا نهاية الملاذ الأجل، وهي تتنقل - على غير وعي - في حدود العجز البشري المتناهي، مشغولة برؤيا سنية.
من هنا لدونة الرقشة، وقد آل بها المطاف بين يدي الإسلام أن عتقت من الواقعية الهلينية، وخلصت من الصلابة الفارسية، فلا مبتدأ لها ولا منتهى، وما يجوز لها أن تطمع في أحد منهما؛ لأنها تسعى وراء الله، الله الذي
هو الأول والآخر (الحديد: 3)، منه تبتدئ الأسباب، وإليه تنتهي المسببات.
وبفضل اللدونة ترى الرقشة دوارة تارة، وتارة متوترة، وهي في أكثر الحال تلتوي، وقلما يدركها البهر، ووجهتها أبدا ما لا حد له؛ فهي ماضية بلا ملل، وهيهات أن تبلغ ما تهدف إليه، فشأنها شأن إيقاع يترنح منقادا للصبر.
إن التفاف العرق بوروده وأوراقه، وكذلك انبساط السطوح، يقفان فجأة أحيانا، أو يتكسران حتما على الحواجز عند أطراف الساحة التي تستقبل المنمق، أترى يرضى الالتفاف والانبساط بهذه الهزيمة؟ كلا! أما العرق فلا تختتم مداته، وأما السطح فلا تلتحم أضلاعه، بل كل يصل إلى المدى المقدر له، وهو في فوران نشاطه، إما عند رأس انثنائة، وإما في قلب اشتباكة، كأنما يتأهب لاستئناف الاندفاع فيدعوك إلى أن تثب وراءه في الخلاء؛ لعلك من طريق التخيل المقلاق تلاحق جولانا صدمته قسوة الواقع.
والاندفاع مع رقش «الرمي» طياش ومحير، وهو مع رقش «الخيط» رزين ومريح، وكلا النوعين ينفرش على المهاد، ويكسو العصاب، ويعلو الرواق، ويثب إلى الإفريز، ويتناول العرضى، ويهجم على الفراغ. وتبلغ به الهمة أن يتعرج حتى في الأكسية، فيحكي مكاسرها وأطواءها، تلك نشوة مشت في الخط تنبئك أن أفق الغيب المستغلق دون المؤمن مشغلة دائمة لذوقه.
لا شك أن حدود الطبيعة تسترخي بين يدي الفنان وهو يرقش، ولكن هيهات أن يرتوي الفن الظامئ إلى مسابح المجهول؛ المجهول الذي لا تنكشف طوالعه إلا لسريرة توزعتها حال بين الصحو والسكر، وهذه الحال تخالف «سرحانا» هو الذي يولد الرقش، لكنه من حيث إن الذهن مجاله، لا يأخذ سره رفيف، ولو كان خطر للمتصوفة أن يقبلوا على الرسم إقبالهم على الموسيقى والرقص، لكنت تأملت رقشا أكثر تسايلا، وأقل انحباسا، يتوارى شيئا فشيئا، كأن ريحا لينة لفته في هفاتها، فهفت به إلى جو مستبعد، تتذبذب من حوله هواجس الخاطر، وهو الجو الذي تفرد المرقم الصيني باستحضاره.
هذا، والرمي خاصة متى أفلت من سلطان التراصف قارب «الفن المجرد»، هذا الذي يفتتن به الآن المتظرفون في أوربة، ولا سيما في باريس. وهو على نوعين، فلست أعني النوع الذي يحيد عن التصور المعقول إلى اختراع بنيات خارجة عن منظورات العالم، تائهة وراء المدلولات المتوترة والوجدانيات المتوارثة، بل أعني الذي يعمد إلى تخفيف الأشياء المحصلة في الواقع، فيفرغها مكتفيا بخطوط معتدلة منبئة عنها، ترتب في نظام يبدو كأنه جاء اعتباطا (انظر تزويقة الغلاف الإفرنجي).
3
وبجنب الرقش ولد الاقتضاب - أريد
stylisation - أو هو جاء معلقا بها: أوحى الله إلى رسوله بهذه الكلمة:
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح (الكهف: 45). والتحقيق أن الحياة الدنيا عند الإسلام الصحيح «زينة»، وليس فيها سوى «متاع الغرور»، كما سترى. وهو متاع يضمحل وينحل بإزاء الذي بين يدي الله،
وما عند الله خير وأبقى (القصص: 60).
إن الاقتضاب يذكر بالإحساسات المباشرة في سرعة وخفة، وإنما ميدانه المقاصد الزائلة، يبرزها زينة متاع، كما يراها قوم حملوا على ترك التسويلات الحسية:
يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا (فاطر: 5).
إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا (يونس: 23). من ذلك لا تقيد التسويلات إلا بوساطة نقطة أو جسة أو طرح خط أو تزوير هيئة، فيجيء التعبير ومجراه كأنه سلك متصل من الحروف المقطعة، وفحواه كأنه عقد تنظمه معان مضمرة.
يتصفح الفنان أجزاء المادة حتى يتيسر له أن يلتقط منها ما كان نسجه أقل فسادا. وهكذا تعاني المادة ما تعانيه من اقتطاع وتضمير، فتبدو مبتورة مسحاء، فتنم على الشبهة التي تلابس ماهيتها في دنيا تفهة أيما تفه، ما الحياة فيها إلا
لعب ولهو (الأنعام: 32، ومواضع أخرى).
ولا ريب أن الفنان الصناع يتلهى ويتفكه، وهو يمسخ قيم التشكل أو يطمسها، فالرسم والحجم والعمق، وجملة اللواحق تسترسل جميعا إلى لعب، ولكنه لعب فني لا غش فيه، تتصرف عنده جرأة الأنامل الساذجة بإشارة من لوائح مستترة تذهب وتجيء كيفما شاءت (اللوح 3أ، 3ب، اللوح 4أ، 4ب). فكأن الابتداع ينحدر من هضبات الفكر الثابتة لكي يظفر، غير متورع، بما هو دونه في نفاسة الجوهر بمظاهر الدنيا، هذا أسلوب حقيق أن ينبئ بإرادة المصور «جوان جري»، أحد زعماء المذهب التكعيبي، المتوفى سنة 1927، وهو إسباني، بل أندلسي لأمه، قال جري: «أنا أذهب من المجرد حتى أبلغ الذي هو حاصل في الواقع.»
ثم إن ذلك اللعب الفني يملي إملاءة سكرى، يمرح في سطورها ابتهاج وادع كره الإحاطة بالمادة. فرفض الاستيلاء على جملتها (اللوح 5ب). وأنت تجد عنفوان هذا الطرب إلى الاقتضاب المبتكر، هذا التلذذ بما لم ينبض به حدس، في ألواح كثيرة صنعها المصور الإسباني «بيكاسو» الطائر الصيت في آفاق العالم (اللوح 5أ)، بيكاسو الذي ولد في الأندلس، في ملقة سنة 1881، وما كل ولا يكل من تحريف صيغ الفن عن مبانيها المعهودة، فيتمادى في تسخير الأشكال الحاصلة في الواقع لشهوة الزينة التي ركبت في مزاجه، وهي شهوة جامحة تتمثل في رسم وجداني لا يخلو من القلق النفساني، إلا أنه قلق لا يستصبح بأنوار السماء.
هذا، والأسلوب العربي-الإسلامي يصرف الفنان عن تجسيم الأشكال التجسيم البالغ أو الوثيق، فتراه يقنع بأن يومض إلى النتوء، والصورة التي فيها عري لا يتمادى في إبراز ملامحها: لا نبرة ولا خرجة ولا وثبة بينة. فما كل هذه على التحقيق سوى إضافات واهية خارجية، إنما هن مخايل «زينة» تلحق بفضول كون يحيط به الباطل:
اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة (الحديد: 20)،
وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها (القصص: 60)، قل:
ومتاع إلى حين (الأعراف: 24).
وإذا كانت الأشكال المجسمة ضربا من ضروب الزينة، فهي تولد فنا غايته الترويح. ومن هذه الطريق انقلب التشكيل إلى تنميق؛ فالعبث، بأشرف معانيه، مآل الفن إذن، لا مصدره، وإن قال النقاد عكس هذا من قبل.
4
هذا النمط من التشكيل يساير مذهبا غالبا في الفن الإفرنجي الحاضر، هو «مخالفة الطبيعة» إلى ما ينشأ عنه من «محو الخصائص البشرية.» وذلك بأن هذا النمط مصدره العزم على الفرار من مظاهر العالم لحقارتها ولشبهتها، وكذلك الرغبة في طي الطاقة البشرية تحت أداء إنما هو تجريدي بالطبع (اللوح 6، اللوح 7).
غير أن هدم الشكل أو بتره أو تخليعه أو تحويله، هيهات أن تأتي جميعا - في الفن الإسلامي - من وراء تدبير منقبض عن مرح الحياة، طامع في تحرير الغريزة مع إطلاق قواها، حتى يدعها تتلقى صور العدم والفجيعة والاعتلال والشناعة، على نحو ما تتلقاها غرائز طائفة من المصورين المحدثين في الغرب، أنصار «مدرسة باريس».
إن خروج التصوير الإسلامي على أصول الهيئة البشرية إنما تستدعيه نية مستقرة في الطبع، مبعثها الاستهانة بعظمة الإنسان المطلق، الإنسان الذي ركزه في قلب العالم فلاسفة يونان، وأهل الأدب والفن في إيطالية الناهضة، أولئك الذين فخموا منزلة البشرية، ومجدوا العري الوضاح في مصوراتهم ومنحوتاتهم، فجاء الإنسان معهم جميعا «مقاس الأشياء كلها» كما قال «بروثاغورس». ولا يسع الإسلام إلا أن ينكر هذا الشطط: لا جرم أن الله كرم بني آدم، فخصهم بجملة من الميزات،
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (الإسراء: 70)، ولكن هذا التكريم فضل محض من الله:
ما أصابك من حسنة فمن الله (النساء: 79)، وفي صدارة الحسنات نعمة الوجود؛ فالتكريم لم ينله الإنسان بقوته، إذ خلق
ضعيفا (النساء: 28)،
ولم يك شيئا (مريم: 67)، يترصده الموت فيدركه أينما يكون (النساء: 78). ولا بد للإنسان الناعم بالوجود، حتى يستحق تكريم ربه له، أن يجاهد في الله حق جهاده، فيناضل العدو الكامن في جوانحه (تفسير الحج: 78)، العاقد عقد الاضطراب الآثم، ذلك هوى النفس «الملك الغشوم، والمتسلط الظلوم» كما قال بعض الحكماء، فكيف للإنسان أن يكبر طبيعته، وقد قال له ربه:
وما أصابك من سيئة فمن نفسك (النساء: 79)؟ وكيف له أن يركن إليها وقد
خلق هلوعا (المعارج: 19)، معه
ظهر الفساد في البر والبحر (الروم: 41)؟ وكيف وإنه
ليطغى (العلق: 6)، وإنه
لظلوم (إبراهيم: 34)، وإنه
لكفور (الحج: 66)، وإنه
لربه لكنود (العاديات: 6)، حتى إنه يجلب على نفسه الدعاء «بأشنع الدعوات» مما يدل على «سخط عظيم، وذم بليغ»
قتل الإنسان ما أكفره (عبس: 17، تفسير البيضاوي وغيره).
وأما الشكل الإنساني فهو لا ريب حسن:
وصوركم فأحسن صوركم (غافر: 64)؛
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (التين: 4). إلا أن هذا الحسن الظاهر ضئيل الشأن، قليل الغناء بجنب الحسن الباطن، سريع الزوال، قابل للمسخ:
وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير (التغابن: 3). وهنا يقول الإمام البيضاوي مفسرا: «فصوركم في جملة ما خلق بأحسن صورة ... فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم.» والحق أن الله قادر على مسخ عباده (يس: 67). ومن هنا قول بشر بن منقذ، من أصحاب الإمام علي، على ما روى الجاحظ في «البيان والتبين»:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
فما هذه الصورة سوى قشارة ما هو أنفس وأغلى، وبعد قرون يقول الفيلسوف نيتشه في هذه الصورة: «ما أحقرها ملجأ من زجاج!»
هذا، وقد يكون الفنان المسلم كلفا بمخالفة الطبيعة، ولكنه كلف سليم، لا يشوبه اليأس ولا تعيبه الفظاظة والاستخفاف، كما هي الحال عند بعض المصورين المعاصرين في الغرب، وذلك أن الاستهانة بعظمة الإنسان المطلق تحض مرقم الفنان المسلم على أن يحرف قيم الخلجات، حتى إنه يصلبها فيردها أقرب ما تكون إلى سكنات الآلة، تلك السكنات الجامدة على ألواح أولئك المصورين، ولكنما يلطف هذه الشدة أن الاستهانة لا تتمادى حتى تجعل تخاطيط الوهم المسرف تمحو بسمة الحياة، فبسمة الحياة عنوان «زينتها»، ودليل ما فيها من «متاع الغرور» (اللوح 8أ، 8ب).
أنت إذن ترى الفنان المسلم يفر من وجه الطبيعة، كذلك تراه يواجهها فلا يعن له هنا أن يحتذي ويحاكي إلا إذا عكف على تزويق المؤلفات العلمية، وفي كلا الفرار والمواجهة يلقط الفنان الشيء الذي فيه روح، وهو يفكك مركباته أو يبسط صيغه، وهذا ما أسميه «الاصطراف». على أن الفنان المسلم يغلب عليه الفرح بالاصطراف بدل أن تأخذه كبرياء الخلق. لذلك هو لا يعنى بالترجمة عن شغل يشغل ذهنه، بل همه الإعراب عما يجول في مزاجه الحساس، فإذا صنع منظرا هادئا سكب في ثنايا الشيء طراءة طريفة، تجري به إلى خمائل الشعر والسحر (اللوح 9أ، اللوح 6، اللوح 5ب، اللوح 3أ). وإذا صاغ مشهدا فائرا أيقظ المادة من سباتها، وجر الصورة إلى مثل حلقة رقص تعقدها جماعة من الصوفية، هو يجرها بفضل حس موسيقي هائج على تناسب، كثيرا ما يغذوه روض من ألوان تصدح بابتهاج الضمير (اللوح 9ب، اللوح 4أ، 4ب، اللوح 3ب)، ولا يزال «بيكاسو» الإسباني ينشر هذه الألوان تحت أعيننا، وقد مال الآن إلى صناعة الخزف. تلك الحلقة وإن لم تفتها رقابة الفنان لتبدو غاية في الالتطام؛ لأن هذا الضرب من التشكيل منحرف عن مراسم الواقع، من حيث إنه ينبو، على علم وفي غير ندم، عن الاستعلاء الذي يتطلبه وجوب المستوى والحجم.
5
ربما لاحت الأشكال من حيث تركيبها الممكن، لا من حيث مظهرها الحاصل، مهما تجرد المظهر من الصفات المحسوسة. وحينئذ تدخل الأشكال في عالم موهوم، ولكنه غير ممتنع في أعين المسلم. أما ورد في القرآن:
والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون (النحل: 8)، وبفضل قوله:
ويخلق ما لا تعلمون - استنادا إلى التفسير اللطيف الذي ذكره الجاحظ (الذيل2) - تنشق للفنان نافذة تطل على فسحة المتخيل، فإما اجتلاب لصيغ آسيوية متقادمة، وإما اختراع لمطالب في استظراف أو في سذاجة (اللوح 10، اللوح 11أ، 11ب). وهذا وذاك تصيبه عند «بيكاسو» الذي أصبح يميل إلى تصوير الحيوان في هيئات شاذة.
فمتى صاغ الفنان المسلم ما ليس بخاطر في بال أو ما ليس حاصلا في الوجود المعهود، طوح من طريق أحاجيه الفتانة، بحدود النطاق البشري، هذا وقلبه المحدث سرا يريد أن يعظم اقتدار سيده الأعلى:
يخلق ما يشاء (المائدة: 17)؛
يزيد في الخلق ما يشاء (فاطر: 1).
ولقد أخطأ من ظن من النقاد أن الفنان يقصد بتصوير المحال إلى تنكير الطبيعة، وتمويه المخلوقات إرادة أن «يخادع ربه»، الذي ينزل به العقاب إذا رآه جرأ على المضاهاة بصنعه؛ فمثل هذا الظن يدل على الجهل بقدرة الله:
إنه يعلم الجهر وما يخفى (الأعلى: 7)، ومواضع أخرى في هذا المعنى، والحق أن أحدا من الناس إذا جاز له أن يزيغ عن تمثيل ما خلقه الله، فهيهات أن يقوى على أن يحتال بين يدي الله، ويمكر
والله خير الماكرين (آل عمران: 54).
6
جلب الفن جميع أنواعه إلى جهة التنميق، يوم استقر فيها، فاختلطت الأنواع بعضها ببعض، وكاد تدرجها يختل على ما يقتضيه من المناحي المتمايزة بحسب المواد المستعملة، وكذلك بحسب المآرب المطلوبة، وقد أصبح التنميق كأنه الأمير الذي لا يرد له أمر، أمير وضاء، أخاذ، ماضي العزيمة، دائب السعي، لقد شط في المضاء والدأب.
وعند هذا الانقلاب تحول الفن الإسلامي، غير متردد عن جو التأثرات، وكان قد انحرف إليه فذهب فيه متثبتا، دليل ذلك المنمنمات الراجعة إلى الأسلوب العربي المعروف بالبغدادي، السابق لدور التصوير الفارسي (الذيل 3). وهذه المنمنمات التي تقصد إلى تزويق الكتب وترقيها تنشر واقعية حادة، في غالب الحال، وتدس في أثناء الموضوعات الدينية ورعا صادقا، على أنها منبثقة من مساق هليني توطن أرض سوريا وما بين النهرين فصار ساميا، ثم تراكب ماؤه، وتبطح هنا وهناك - قبل الإسلام - وقد مدته على مدار السنين فورات من ينابيع الفن المسيحي الشرقي بخاصة، حتى انتهى الدفقان إلى المزاج العربي، فتجدد على يديه، وهما ترفان طراءة.
ومع اليدين مقاصد يبتعد بها التفكير عن حدود المتاع في ذاته، أو عن أصول الموضوع الذي استدعى النقش، مقاصد تهديها القوة المشرفة على تهذيب العلاقات القائمة بين أجزاء التشكيل، في طائفة من المصورات التي تفيض بالوجدانيات، وتتخطى اللذة المحض، حتى إن الفارابي أنزلها منزلة «الألحان الكاملة»، وحتى إن عبد القاهر الجرجاني، الناقد الألمعي، شبه وقعها في خاطر الناظر المفتون بفعل الأشعار في حس السامع المأخوذ: بدع وعبر هنا وهناك (الذيل 4).
على أن الزخرف لم يكن ليستأثر بأغراض النقش في أقدم النمنمات العربية المحكمة، فكثيرا ما كان يرد على جهة العرض إذا ورد، فإن هجم على الجوهر جاء تبعا للخيالات والإشارات، فلا يقع في القيمة الشعورية التي ينهض بها الموضوع، بل يتصل بلواحقها (اللوح 12أ، 12ب). غير أن هذه الحال تبدلت في البلاد العربية منذ الربع الأخير من المائة السابعة للهجرة على التقريب، لما عمدت رغبة التنميق، في عمه وشره، إلى طرائق فيها تكلف، ولا تكاد تلوح عليها حلاوة.
7
إن اللون يزيد في فعل التنميق، يستعمله المنقش المسلم لذاته. والبرهان أنه يعزل أصنافه بعضها عن بعض، وكذلك ينزله منزلة الغاية بأن يقيمه مقام الضوء، وهكذا يجيء اللون موفور الإشباع، لا يبالي بأن ينسخ الطبيعة أو يصفها: أويستطيع ذلك؟
ومن أحسن من الله صبغة (البقرة: 138).
ومن حيث إن اللون يجري مجرى أداة للتأويل تعظم قدرته من أخذ البصر؛ وذلك لأنه يستنشق الهواء الذي يكتنف الأشياء، لكي ينقل تطوس جمالها الباطن، من طريق الإحساس الصرف.
وهنا تعرض لامعة من لوامع «برجسن»، الفيلسوف الفرنسي المحدث قال: «إن الفن يجري إلى إلقاء ضروب من الشعور في خواطرنا، من باب الإيهام، أكثر منه إلى الإفصاح عنها، وهو يعرض راضيا عن محاكاة الطبيعة متى وجد طرائق نافذة.» هذه نزعة حديثة ترجع في نهاية تطوفها إلى تصور من تصورات «أفلوطين» الفيلسوف الإسكندري، في باب الجمال.
إن اللون - إذن - عنصر كريم من عناصر الخلابة. يبين ذلك كلام غاية في اللطف للمظفر ابن قاضي بعلبك الفيلسوف (الذيل 5). ولهذا ينافس الشكل أي منافسة، ووسيلته صلة تمور بين طبقات الأصباغ في موافقاتها ومبايناتها، وهذا تعبير شرقي قديم العهد يعود إلينا في بهائه، وهو يناقض الأسلوب الاتباعي الذي علا في عصر «النهضة» في الغرب، ذلك الأسلوب المشغوف بالرسم الظاهر، حتى إنه يزدري «الإحساسات الملونة» التي لحظها ودونها الفنان الفرنسي «سيزان» أبو التصوير الحديث.
وذلك التعبير الشرقي يدع دقائق الوجدانيات الصادقة تسيل في أجزاء الألوان المختارة: صبغ خامد، وآخر كامد، كأن كليهما صدى خفي لتحرج أهل السنة، وصبغ يمس المتاع المنقش في دعة تقطر بالندى، كأنه النسيم «العليل البليل» الذي طالما به همس الشعراء القدامى. ثم صبغ مضنى، لعله من مدات مغنية شفها الحب فأرادت أن تموت، على ما وصف التوحيدي من ظرائف الشدو في «الإمتاع والمؤانسة»، وثم أصباغ سلت من صفاء المعدن، بين مملسة ومحببة، يتلألأ أحدهما وسط المنقش أو يتطوس حواليه، كأنه يستقى من ماء الجواهر الفائقة النادرة التي كان يختزنها الخلفاء في القاهرة. ثم إنه قد تحتد جلسات الألوان، كما يحتد على المناديل التي تشدها صغائر فلاحاتنا على رءوسهن، هذه جسات رسموها كأنها من وحي التعاويذ، ولك أن تتأملها على تلك الأطباق والأكواب التي عثروا عليها في الفيوم، من أعمال مصر، من زمن قريب؛ لطخات تجاورت على شدة، وبقع يتردد فيها شبه فجاجة، ذاك أداء كأن آلته تزمر وتطبل، وقد وثبت من جوف أرض مصرية، فيما بين القرن الرابع والسادس للهجرة (اللوح 13ب).
والحديث لعمري يطول في خصائص الألوان الإسلامية، هي معدودة إلا أنها زخارة فياضة مواجة، تصب سحرها على سطوح مبسوطة، وهذه الصفات تصلح لفن الألوان السائد وقتنا هذا في باريس، وللمصور الفرنسي المعاصر «ماتيس» ولأصحابه أن ينتحلوها.
8
أما الخط - ذلك «المعنى الساكن» كما قالوا (الذيل 6) - فهو إشارة كلها وقار، بنيت على وضع معلوم، ثم هو سمة لإيمان يجيش بتعظيم الخلاق.
ذاع القرآن فانتشر الخط، ثم حرره الحذاق من الكتاب حتى بلغ الكمال، فجاءت حروف الكتابة الأولى أكثر ما جاءت، وهي مستقيمة منبسطة، وكادت تختص بها المصاحف ورقاع المدائح والصلوات والابتهالات والدعوات، حتى إن الحروف عدلت عن اللين الظاهر في الخط الدارج المرسل إلى يبس هو آية الخط الجليل المحقق، سواء كان ذلك في مسطور أو مسبوك أو محفور أو منحوت (اللوح 14أ، 14ب، 14ج).
وما كان بد من تجميل الخط: إن الله الذي هو
ربك الأكرم
أضاف التعليم بالقلم إلى نفسه حيث قال:
الذي علم بالقلم (العلق: 3، 4). هذا، ومما جاء في الحديث الصحيح، واشتهر على ألسنة الناس: «إن الله جميل يحب الجمال» (الذيل 7). فكيف يرضى العلي الفائق الحسن أن يأتي الخط الذي وقف عليه عباده غثا قبيحا؟ الخط الذي هو في ذروة الشرف؛ لأن الصحف والألواح نزلت به على الأنبياء.
فلتتقدم أبدان الحروف العربية، في زي الكوفي خاصة، إلى حضرة
ذو العرش المجيد
وقد زكاها وحيه، وفخمتها أبهته. لتتقدم رائقة فتحمد، شريفة فتكبر، سواء انتصبت أو انبطحت، تقوست أو تلوزت، أرسلت أو أسبلت! كيف لا تشكر لله بره وفضله إذ سيرها بين الناس،
وعلم آدم الأسماء كلها
بوساطتها (البقرة: 31)، تلك الأسماء التي أنزلها القرآن بلسان عربي غير ذي عوج، في لغة هي «أفضل اللغات وأوسعها وأكملها ذوقا ووجدانا، بل يقينا وبرهانا» كما قال أهل اللسان (الذيل 8).
هذا، ومما نطق به الإمام علي بن أبي طالب: «الخط الحسن يزيد الحق وضوحا» (الذيل 9). فأي حق يجسر أن يزاحم حقا من عند ربك؟ وكما أنه لا محيد عن قراءة القرآن على تؤدة وتبيين دفعا للتحريف والتغيير،
ورتل القرآن ترتيلا (المزمل: 4)، كذلك لا بد للقرآن من أن يسطر في إيضاح وتحقيق؛ لأن «الخط لسان اليد» على قول عبيد الله بن العباس، المتوفى سنة 58 (الذيل 10).
وهكذا انبعثت قواعد الخط محاذاة لأصول مخارج الحروف، في جميع البلدان الإسلامية. ثم استوى الخط «هندسة روحانية» كما قالوا (الذيل 11) حتى صار فنا فاخرا لا ممتهنا، على أن الكتابة الباهرة - أول ما ظهرت على الأقل - جاءت أعلى من رصف للحروف منسوق أو مستملح، جاءت أقرب إلى تكليف من تكاليف العبادة، في هيئة سكة تضربها سطوة الإسلام ، وتفرضها عنوانا لعزها ومنعتها.
وآلة الخط القلم، وهو أشرف الآلات وأسبقها؛ أما أقسم الله به:
ن والقلم وما يسطرون (القلم: 1). أوما قال الرسول: «أول ما خلق الله القلم» (الذيل 12)؟ فالخطاط إذا خط طلب الخلوة لسكون القلب، فعمل عملا صالحا. من هنا تلك الرائحة القدسانية التي تغمر القلم، ألا ترى إلى الشاعر يقول فيه:
وذي عفاف راكع ساجد
أخي صلاح دمعه جاري
ملازم الخمس لأوقاتها
مجتهد في خدمة الباري (الذيل 13).
وبعد، كثيرا ما تزيغ الحروف عن مبانيها المتواضع عليها في رسم الهجاء، فتهيم على أهواء مخيلات الفنانين، فتندس في تراكيب مرتجلة سرعان ما تنقاد لعنفوان الاقتضاب، ومتى حرفت الحروف أو عرجت، حتى إنها تثبج وتعمى، منقولة من أفق ديني إلى صعيد دنيوي، بذلت لرغبة التوازن وسائل منقطعة النظائر، فيصبح جدول الخطوط مبعث اندفاعات لا تنفك تبث النشاط في جملة الصيغ الزخرفية (اللوح 4أ، 4ب). ومثل هذا الخط المستطرف كمثل «الرمي» من الرقش؛ إذ إنه متى خرج على أحكام الترتيب لعناصر الصورة دنا من «الفن المجرد»، وربما شارك «الرمي» في هذه الجهة، فينضم إليه، حتى يحسن الدخول إلى منازل النهج العقلي (اللوح 13أ، وتزويقة الغلاف العربي، والغلاف الإفرنجي).
9
إن هذا الجو الذي يحف به الدين، مباشرة أو مداورة، يهب له قدرة تترفع عن الأشباه، وهذا يعلل ما يبدو في ضروب التنميق من ضياع شخصية الفنان؛ فجميع المنمقين - وقد حثتهم فطرة غامضة - يغترفون من فيض روحاني واحد، ويستنبطون من جوف الواقع المحقق لحظات متوافقة وهيئات متطابقة، وهم في ذلك الاستلهام يجعلون إيمانهم أمرا محصلا بين أيديهم. وإذا أتت ساعة الإنجاز عاد الفنان - على غير تفصيل ولا تمييز - إلى سلامة سريرته؛ ذلك بأن الإنسان إن سولت له غريزته الغرة أنه يسع الأشياء كلها فسرعان ما يتجلى له، حين يتفكر فيسلم لربه، أنه لا يسع شيئا؛ ذلك شأن الذين آمنوا واتقوا
والله من ورائهم محيط (البروج: 20)، الله الذي قال:
وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين (التكوير: 29)؛
إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير (ق: 43).
فحياة الفرد - بما هي عليه من ذل الحاجة ومهانة العجز - يسلبها كيانها حال من الوله الانفعالي، وله سابح في وجدانيات مشتركة، موجه إلى تكوين عالم ذي أشكال تتلخص فيها لمحات الجماعة.
على أن الفن الإسلامي - بالجملة - لا يشكو ضياع الشخصية، كما قال عليه، فما هو بملقى إلى الصناع وحدهم، ولا إلى «المقلدين» كما يزعم كثير. أولا يكون المنجز فنانا متى أخرج الفكر السائر في الملة من القوة إلى الفعل، وهو يحكم تطبيق الأداء على ما في الأنفس مجتمعة من توقان؟
حوى ذلك التنميق معاني هي من وراء الطبيعة، جعلته نسيج وحده وأمدته بالهمة المتصلة، ثم يسرت لسلطانه أن ينبسط في البلدان العربية والمستعربة حتى مضى إلى فارس، وهناك انبعثت الصيغ القديمة في تصور لم يتحرك به خاطر من قبل، وبذلت قيادها إلى صنعة مستجدة.
ولما كانت هذه الصفوة من دقائق الزينة تهتز طراءة وظرفا وانطلاقا خلبت المزخرفين النصارى من سوريين وكبدوكيين، ومن أقباط وبيزنطيين، حتى من إيطاليين وإسبانيين. فهؤلاء القوم الذواقون أسرعوا إلى تلك الزينة (اللوح 16أ، 16ب) مع أن الذي تلقوه من آبائهم في صناعة الترقين كان وافرا على بهجة (اللوح 15).
ومما يورث الأسف بعد كل ذلك أن التنميق الإسلامي تحدر - على تعاقب السنين - إلى ركام من رواسم مطروقة أي طرق، حتى إنها همدت وخوت، وكان ذلك المصير محتوما؛ فمما لا يخفى على أحد أن كل نمط من أنماط الفن يفتر آجلا أو عاجلا حتى الجمود إذا هو تمنع أن يتجدد من الباطن، ثم إن التجريد المفرط مساقه إلى الركاكة، إذا دبرته فكرة تحصرها شواغل هي هي، ويحيط بها جدب تستريح إليه يوما بعد يوم، جدب الثقافة التي تتحلل، ذلك فضلا عن أن مزاج الفنان إذا تألب عليه عنف التخرج والتخمس غله وأذله.
ومهما يك المصير فإن بهاء الزخرف الإسلامي يلمع بين يدي الناظر في الفنون لمعانا لا تكاد رفاته العجيبة تلقى أشباهها في فلك الذوق الخالص.
الذيل
1
الكلام على التصوير في الإسلام: أمحرم هو، أم مكروه، أم مباح، طويل متشعب. عرض له القدماء وكذلك المحدثون من شرقيين وغربيين، ومن أقرب ما نشره هؤلاء مقال للأستاذ كريزويل، فيه ثبت للمصادر، تراني أزيد عليها جملة في ذيل النص الفرنسي، وأما ها هنا فأجيء بنص كامل غير معهود، ينهض ضد التحريم المطلق، ويسوغ جملة التصاوير التي وقعت إلينا من الآثار الإسلامية أو وصفها الأقدمون، دنيوية كانت أو دينية، وقد خلت من تمثيل الإله؛ لأن تصوير الله تصوير الأجسام محرم أشد التحريم، ولا يوافق روح الإسلام. والنص قدمته بالفرنسية في مقر الجمعية الآسيوية بباريس، 10 / 11 / 1950، وبالعربية في المجمع العلمي المصري بالقاهرة 3 / 3 / 1951.
ثم إن لهذا النص شأنا عظيما من أربع جهات:
الأولى:
أن صاحبه من فحول علماء الإسلام في فهم نصوص القرآن، واستقراء دقائق العربية، وهو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان، المعروف بأبي علي الفارسي النحوي، المتوفى سنة 377ه/987م. وأبو علي هذا - على ما ورد في أول ترجمته في «معجم الأدباء» لياقوت: «أوحد زمانه في العربية.» وقال فيه الجزري في «غاية النهاية في أسماء رجال القراءات ...» (القاهرة 1932، ج1، ص206-207): «انتهت إليه رياسة علم النحو، وصحب عضد الدولة فعظمه كثيرا، ثم لحق بسيف الدولة فأكرمه، أخذ عنه النحو أئمة كبار كابن جني»، ولد في فسا بالقرب من شيراز، إلا أن أمه عربية سدوسية، وقد طوف كثيرا في بلاد الشام، ومات في بغداد، وكان أتاها وهو ابن تسع. فهو عالم من علماء العربية، له خطر في الملة الإسلامية، وحظوة عند أمرائها.
والجهة الثانية:
أن النص قديم، فهو من النصف الثاني للمائة الرابعة.
والجهة الثالثة:
أنه صدر من عالم متبحر ثقة، مسجلا موقف الإجماع في ذلك العهد ليناهض آراء الآحاد.
والجهة الرابعة:
أنه يدل على ما وصل إليه التشدد بعد ذلك في البلدان العربية، من ذلك حكم تاج الدين السبكي المولود في القاهرة سنة 727ه، المتوفى في دمشق سنة 771ه، يقول السبكي هذا في كتابه «معيد النعم ومبيد النقم»، (القاهرة 1947، ص135): «الدهان، وعليه ألا يصور صورة حيوان، لا على حائط ولا سقف، ولا آلة من الآلات، ولا على الأرض، وأجاز بعض أصحابنا التصوير على الأرض ونحوها، والصحيح خلافه.»
هذا، والنص عثرت عليه في نسخة من كتاب ألفه أبو علي، عنوانه: «الحجة في علل القراءات»، وهو غير مطبوع، والنسخة موجودة في مكتبة البلدية بالإسكندرية، ورقمها 3570ج، وهي غير كاملة إذ تنقص الجزء الخامس، ولها صور مأخوذة بالتصوير الشمسي في دار الكتب المصرية بالقاهرة، ورقمها 462 قراءات، وتاريخ النسخة 390ه، فليس بينها وبين وفاة المؤلف سوى ثلاث عشرة سنة، وخطها جميل، وخطؤها قليل، والنص يقع في الجزء الثاني من الصفحة 67 إلى 69 ودونكه: [ص67] فأما قوله:
ثم اتخذتم العجل من بعده
1
وقوله:
باتخاذكم العجل ،
2
اتخذوه وكانوا ظالمين ،
3
واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا ،
4
فالتقدير في ذلك [ص68] كله: اتخذوه إلها، فحذف المفعول الثاني. الدليل على ذلك: أن الكلام لا يخلو من أن يكون على ظاهره كقوله:
كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ،
5
وقوله:
6 «متخذا في ضعوات تولجا»،
7
أو يكون على إرادة المفعول، فلا يجوز أن يكون على ظاهره دون إرادة المفعول الثاني، كقوله:
إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا .
8
ومن صاغ عجلا أو نجره أو عمله بضرب من الأعمال لم يستحق الغضب من الله، والوعيد عند المسلمين، فإذا كان كذلك علم أنه على ما وصفنا من إرادة المفعول الثاني المحذوف في هذه الآي، فإن قال قائل: فقد جاء في الحديث: «يعذب المصورون يوم القيامة»، وفي بعض الحديث: «فيقال لهم أحيوا ما خلقتم»،
9
قيل: «يعذب المصورون» يكون على من صور الله تصوير الأجسام، وأما الزيادة فمن أخبار الآحاد [ص69] التي لا توجب العلم، فلا يقدح لذلك في الإجماع على ما ذكرنا.
2
لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتاب «الحيوان»، القاهرة 1938، ج2، ص110، كلام لطيف على هذه الآية، يشهد بما أذهب إليه من تخيل الفنان المسلم لعجائب المخلوقات المجهولة، وأنا عارض هنا قول الجاحظ:
وكان بعض المفسرين يقول: من أراد أن يعرف معنى قوله:
ويخلق ما لا تعلمون
فليوقد نارا في وسط غيضة، أو في صحراء، أو في برية، ثم ينظر إلى ما يغشى النار من أصناف الخلق من الحشرات والهمج، فإنه سيرى صورا، ويتعرف خلقا لم يكن يظن أن الله تعالى خلق شيئا من ذلك العالم، على أن الخلق الذي يغشى ناره يختلف على قدر اختلاف مواضع الغياض والبحار والجبال، ويعلم أن ما لم يبلغه أكثر وأعجب، وما أرد هذا التأويل، وإنه ليدخل عندي في جملة ما تدل عليه الآية، ومن لم يقل ذلك لم يفهم عن ربه، ولم يفقه في دينه.
ومما يؤكد هذا الكلام الطريف ما ورد في «روح المعاني» للآلوسي، القاهرة 1310، ج4، ص343-344، عند شرح الآية المذكورة:
ويخلق غير ذلك الذي فصله سبحانه لكم، والتعبير عنه بما ذكر؛ لأن مجموعه غير معلوم، ولا يكاد يكون معلوما ... والعدول إلى صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار والتجدد، ولاستحضار الصورة.
3
لهذه المنمنمات راجع كتابي: «منمنمة دينية تمثل الرسول من أسلوب التصوير العربي البغدادي» بالنصين العربي والفرنسي، من منشورات المجمع العلمي المصري، القاهرة 1948، وانظر في رسالتي «كتاب الترياق، مخطوط عربي مصور من خاتمة القرن الثاني عشر» بالفرنسية، مع موجز باللغة العربية، من منشورات المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، تحت الطبع الآن.
4
للفيلسوف أبي نصر محمد بن محمد بن طرخان الفارابي، المتوفى سنة 339ه، «كتاب الموسيقى الكبير» وهو مخطوط، منه نسخة محفوظة في دار الكتب المصرية، رقمها 351 فنون جميلة، مأخوذة بالتصوير الشمسي عن نسخة في إستنبول تاريخها 654ه. ففي الصفحة 459 من هذه النسخة يقول الفارابي:
والألحان بالجملة على ما قد قلناه في موضع آخر: صنفان، على مثال ما عليه كثير من سائر المحسوسات الأخر المركبة، مثل المبصرات والتماثيل والتزاويق، فإن منها ما ألف لتلحق الحواس منه لذة فقط من غير أن توقع في النفس شيئا آخر، ومنها ما ألف ليفيد النفس مع اللذة أشياء أخر من تخيلات أو انفعالات، ويكون بها محاكيات أمور ما أخر. والصنف الأول هو قليل الغناء، والنافع منها هو الصنف الثاني، وهي الألحان الكاملة ...
وأما تفصيل كلام الجرجاني فتجده في «أسرار البلاغة» القاهرة 1939، ص297.
5
أنشر هنا رسالة لطيفة في «الألوان»، لا أعرف لها نظيرا في أدبنا الموروث، وهي تدل على ما في الألوان من قيم رقاق تتصل بالوجدانيات، حتى إنها تثير في النفس الزكية ضروب الفرح أو الغم، وهذا من أحدث المسائل التي يتناولها اليوم علماء النفس في الغرب.
عثرت على هذه الرسالة في مخطوط محفوظ في «الظاهرية» بدمشق فنسختها، وعنوان المخطوط: «كتاب مفرح النفس»، وهو يقع في ثلاث وثلاثين ورقة، ضمن مجموعة رقمها 32، ليس على المخطوط تاريخ، ومرجعه إلى المائة الثامنة اعتمادا على نوع خطه، وأما اسم المؤلف فقد ورد في الصفحة الأولى «تصنيف العالم الفاضل شرف الدين أبي نصر محمد بن أبي الفتوح البغدادي ثم المارديني المعروف بابن المرة».
وهذا الكتاب المخطوط يشتمل على عشرة أبواب؛ الأول: مقدمة في ذكر النفس وبعض أصولها، وسائر الأبواب في أصناف اللذات المكتسبة للنفس من طرائق الحواس المختلفة، ويجد القارئ ها هنا الباب الثالث (من صفحة 4ب إلى 7أ)، وهو الخاص باللذة المكتسبة للنفس من طريق حاسة البصر، والأبواب كلها مشتركة بين الطب والحكمة والتصوف، على طريقة العصور الوسطى.
وفي أثناء التحري أصبت نسختين من هذا المخطوط: الأولى في دار الكتب المصرية، رقمها 483 طب، تاريخها 1196ه، والثانية في خزانة القديس يوسف لليسوعيين ببيروت، رقمها 392، وتاريخها 1329ه، هذه منقولة نقلا عن نسخة الظاهرية، وتلك تطابق هذه مع خلاف يسير، وقد عولت في نشر الرسالة على نسخة الظاهرية، وذكرت في الهامش رواية النسخة المحفوظة في دار الكتب المصرية، مشيرا إليها بهذا الحرف: «ق».
هذا، ولم أجد «ابن المرة» المنسوب إليه الكتاب فيما رجعت إليه من المصادر، وبعد الفحص والتحقيق بان لي أن الرجل انتحل كتابا ألفه طبيب من المائة السابعة للهجرة، وقد تصرف فيه على جهة الاختصار مع الاقتطاع، بعد أن حذف من الديباجة اسم الأمير الذي وضع لأجله الكتاب. وأما الطبيب الذي ألف الكتاب أصلا فهو بدر الدين المظفر ابن قاضي بعلبك مجد الدين عبد الرحمن بن إبراهيم، نشأ بدمشق، واشتغل فيها بصناعة الطب فبرع وتقدم، وكانت وفاته في حدود سنة 660ه. وأما اسم الأمير الذي وضع له الكتاب، فهو سيف الدين المشد أبو الحسن علي ابن عمر بن قزل المتوفى سنة 656ه.
ودونك المراجع التي هدتني إلى هذه الحقيقة: (1) «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» لابن أبي أصيبعة، القاهرة 1300ه، ج2، ص259-265: عرف ابن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668 بدر الدين المظفر، وراسله في شأن كتابه «مفرح النفس»، ووصفه هكذا: «مفيد جدا في فنه»، وذكر أنه ألف للأمير ابن قزل، ويزيد أن لبدر الدين مقالة في مزاج مدينة الرقة وأهويتها، ويوافقه في هذا حاجي خليفة كما سترى. (2) «مطالع البدور في منازل السرور» لعلاء الدين علي بن عبد الله البهائي الغزولي الدمشقي، القاهرة 1299ه، ج2، ص7-8: يذكر الغزولي، المتوفى سنة 851ه، كتاب «مفرح النفس» وينسبه إلى بدر الدين المظفر، ثم يقتبس منه خاتمة الرسالة التي أنشرها هنا، وهي خاصة بتأثير التصاوير في أصناف الأرواح، وقد عارضت نص الخاتمة هذه بنص المخطوط المنسوب إلى ابن المرة فوجدتهما متواطئين في الغرض والمعنى وأكثر اللفظ، على أن النص الذي أورده الغزولي عن كتاب المظفر أوفى وأعلى، وبمثل هذه المعارضة يتبين للقارئ كيف سطا ابن مرة على كتاب المظفر فانتحله بعد تصرف يسير فيه.
هذا، وقد عني علماء الآثار الإسلامية بما اقتبسه الغزولي من كتاب «مفرح النفس»، انظر:
A. MUSIL, Kusejr 'Amra. Wien 1907, p. 237, n. 65 .
Tu. ARNOLD,
, Oxford 1928, p. 88 .
زكي محمد حسن «الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي» القاهرة 1939، ص61. (3) «كشف الظنون» لحاجي خليفة، إستنبول 1943، ج2، ص1772: يستند حاجي خليفة المتوفى سنة 1067ه إلى ابن أبي أصيبعة، ويقتبس من ديباجة الكتاب، وفيها ذكر الأمير ابن قزل، وهذه الديباجة توافق ما جاء في نسخة الظاهرية، ونسخة دار الكتب المصرية الموصوفتين فوق، ما عدا ذكر ابن قزل، إلا أن خلطا وقع في هذا الفصل من «كشف الظنون» (ومعلوم أن هذا الفهرست المطول بيض مؤلفه منه إلى حرف الدال فحسب)، وذلك أن اسم المؤلف لكتاب «مفرح النفس» جاء في آخر الفصل بدلا من أن يكون في أوله، فحل محله هنا: «بدر الدين عبد الوهاب بن سحنون الدمشقي، المتوفى سنة 694». هذا وفي «كشف الظنون» أيضا، ج2، ص1783، ذكر مقالة بدر الدين المظفر في «الرقة وأهويتها». ومن هذا الفصل الأخير استقيت تاريخ وفاة المظفر، فإن ابن أبي أصيبعة لم يذكره. (4) «شذرات الذهب» لابن العماد، القاهرة 1351ه، ج5، ص426. وكذلك «معجم الأطباء» لأحمد عيسى، القاهرة 1942، ص280-282: ليس فيهما عند ذكر ابن سحنون الطبيب، كتاب عنوانه «مفرح النفس»، كما ورد خلطا في «كشف الظنون». (5) «شذرات الذهب» ج5، ص280: تاريخ وفاة الأمير ابن قزل.
كتاب مفرح النفس (ص4ب) الباب الثالث
في اللذة المكتسبة للنفس من طريق حاسة البصر
اعلم أن المشهور عند الأطباء، وعند أكثر الناس أن حاسة البصر [ص15] محسوسها الألوان فقط، وليس كذلك، فإنها تحس بسبعة وعشرين جنسا من المدركات، كل واحد يخالف الآخر، بخلاف حاسة السمع، فإنها لا تحس إلا بالأصوات فقط.
فمدركات حاسة البصر: الألوان، والضوء، والظلمة، والأطراف، والحجم، والبعد، والقرب، والوضع، والشكل، والتفرق، والاتصال، والعدد، والحركة، والسكون، والملاسة، والخشونة، والكثافة، والشفيف، والظل، والحسن، والقبيح، والبشاشة، والاختلاف، والضحك، والبكاء، والرطوبة المعتبرة بالسيلان، واليبس المعتبر بالتماسك.
وهذه الأمور قد حررتها العلوم الدقيقة الحكيمة، واطلعت عليها النفوس الفاضلة القدسية، ومن هذه المدركات المعدودة ما بحاسة البصر إليه ميل كثير، وفي أصنافه ما تلذ به النفس لذة أعظم وأوفر،
10
كالألوان. وهي تنقسم إلى قسمين: بسيط، ومركب، فالبسيط عند بعضهم لونان: الأبيض والأسود، وجميع الألوان المركبة منها على قدر اختلاف أجزائها، وعند بعضهم أربعة، وهي: الأبيض، والأسود، والأحمر، والأصفر، وما عدا هذه الألوان فمركب منها على قدر اختلاف أجزائها.
فالنفس تبتهج
11
بما كان من الأجسام له اللون الأحمر والأخضر والأصفر والأبيض، إما بسيط أو مركب بعضها من بعض، فنظر هذه يوجب راحة النفس، ولذة القلب، وسرور العقل، ونشاط
12
الذهن، وتوفر القوى، وانبساط الأرواح. وإنما قلنا ذلك لأنها ألوان مشرقة نيرة، فالنفس لإشراقها ونورانيتها [ص5ب] تميل إلى ما ناسبها، فتحدث هذه الحالات المذكورة؛ لأن النور محبوب ومعشوق، وانظر إلى فرحك وانبساطك، وانشراحك وحركتك، وتصرفك بالنهار، وفراغك وسكونك، وتجمعك بالليل، وما سبب ذلك إلا النور تارة، والظلمة أخرى.
والألوان السود والزرق والكمد وما شاكل ذلك، وما يتركب منها، تكدر الأرواح، وتعمي القلوب وتولد الأخلاط السوداوية، وما يحدث عنها من الفكر الردية، والهموم
13
المودية، والأحزان الملازمة، لا سيما إذا كانت هذه الألوان الردية في لبس الإنسان، فإنها تقرر هذه الأمور الردية بملازمتها لحاسة البصر.
وقد ذكر بعض الفضلاء له تعليلا حسنا: وهو أن النفس إذا نظرت إلى الألوان الردية المذكورة من السواد وغيره مما ناسبه تنفر منه، وتجتمع لمضادتها له، على ما قررنا من أن النفس نورانية، فإذا تجمعت بالضرورة يصحبها تجمع الأرواح النيرة، ويلزم تجمعها تكاثفها، ويلزم تكاثفها غلظها، ويلزم غلظها بردها، ويلزم بردها تولد أخلاط سوداوية كالهموم والفكر وضيق الصدر والوسواس والماليخوليا،
14
وما أشبه ذلك. فالحذر الحذر، لمن يروم شرف نفسه وراحة قلبه، من فعل ذلك.
وهذا المعنى قد ألم به جماعة من الفضلاء المتقدمين والمتأخرين، وخصوصا الشيخ الرئيس ابن سينا، وفخر الدين ابن الخطيب.
15
واعلم أن النفس تسر وتلتذ وتبتهج بالنظر إلى المواضع الفسيحة لذة عظيمة؛ لأن الروح تلطف بنظرها إلى ذلك، فلا جرم أن المواضع المتنزهة كلما كانت أوسع كانت أنفع، لا سيما [ص6ا] إذا لم يكن للعين جدار يردها عن تمام نظرها. وانظر إلى ابتهاج النفس في البساتين والأرضين التي فيها نبات جامع للألوان الحسنة المذكورة، ومع سعتها. وما أحسن ما قيل: «العينان طاقتا النفس». فلا ينبغي للعاقل أن يجعل نظر نفسه
16
في طاقتيها إلى ما يضرها، بل يجتهد كل الاجتهاد على المعونة في إيصال الراحة إليها.
وانظر إلى حكمة الله - عز وجل - لما تجمعت الأرواح والقوى في باطن الأبدان في الشتاء، وغلظت وتكاثفت بورود البرد عليها، وانخزالها بذلك، جعل لها ما يجبرها في الربيع، ويظهرها وينميها ويفرحها ويسليها بوجود البهار
17
والأنوار والأشجار، والأثمار التي خصها بالألوان المفرحة على ما قررناه ، وهي: الأبيض، والأحمر، والأخضر، والأصفر.
ولم يخلق
18
شيئا من الأشجار والأثمار والأنوار أسود، لحكمته وعلمه أنها ردية للنفس، مكدرة للأرواح، والغرض بسطها وتفريحها، فخلق المناسبة لها ورفض المضادة عنها، وانظر إلى حكمته كيف جعل هذه الألوان الأربعة المذكورة - أعني: الأصفر، والأبيض، والأحمر،
19
والأخضر - في أعظم الأجساد وأشرفها وأبهجها وأعزها وأحسنها منظرا، وهي: الذهب الأصفر، واللؤلؤ الأبيض، والزمرد الأخضر، والياقوت الأحمر. ولم يجعل شيئا من الأحجار أعز منه ولا أشرف، وجعل غاية كل واحدة منها أن يكون بهذا اللون المذكور، فتبارك الله أحسن الخالقين.
واعلم
20
أن النظر في الصورة الحسنة المليحة في الكتب إذا جمعت مع حسن صورتها [ص6ب] وصنعتها الألوان والأصباغ المذكورة، والاعتدال في مقادير الصور وحسن الأشكال مما
21
ينفي وينقي الأخلاط السوداوية، ويزيل الهموم الملازمة والكدورة عن الأرواح؛ لأن النفس تلطف وتشرف بالنظر فيها، فيتحلل ما فيها من الكدورة.
وهذا المعنى قد ذكره محمد بن زكريا الرازي،
22
وبالغ في ملازمة فعله لمن يجد في نفسه أفكارا ردية وهموما ملازمة.
وتفكر في كون الحكماء المتقدمين الذين استخرجوا الحمام على ما ذكر في مدد
23
من السنين، نظروا وعلموا وتيقنوا أن الإنسان إذا دخلها تحلل من قواه شيء كثير، فاتفقوا بحكمتهم، وجالوا بفكرتهم، واستخرجوا بعقولهم ما يجبر ذلك سريعا، فقرروا أن يرسموا صورا بأصباغ حسنة، يوجب النظر إليها زيادة القوى والأرواح، وقسموا ذلك التصوير إلى ثلاثة أقسام، وذلك
24
أنهم علموا أن أرواح البدن ثلاثة أصناف: الحيوانية، والنفسانية، والطبيعية، فجعلوا كل قسم من التصوير سببا لتقوية قوة
25
من القوى المذكورة، والزيادة فيها. أما الحيوانية فالقتال والحرب والملحمة، وأما القوة النفسانية فالعشق والتفكير في العاشق والمعشوق، وأما القوة الطبيعية فالبساتين وصور الأشجار والأثمار والأطيار، وما أشبه ذلك؛ ولهذا السبب إذا سألت المصور عن تصوير الحمام يذكر لك هذه الصفات، ولا يعلم لها تعليلا، وصارت جزءا من أجزاء الحمام الفاضل، وما سبب عدم معرفته
26
بذلك إلا بعد السنين وتقادم العهد، فما خلق شيء سدى [ص17] وما جعل شيء هدرا.
6 «صبح الأعشى» للقلقشندي، القاهرة 1913، ج3، ص9 .
7
رواه أحمد عن أبي ريحانة، ومسلم والترمذي عن أبي مسعود، وأبو يعلى عن أبي سعيد، وغيرهم - اطلب «كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس» لإسماعيل بن محمد العجلوني المتوفى سنة 1162ه. وهو مخطوط في جزء واحد، منه نسخة في دار الكتب المصرية، تاريخها 1169ه، رقمها 1281 حديث، راجع الورقة 114ب - هداني إلى هذا المرجع الصديق العالم بالحديث الشيخ أحمد محمد شاكر.
8 «الصاحبي» لابن فارس، القاهرة 1910، ص12 - «صبح الأعشى» للقلقشندي، ج3، ص5، 7، 12 - «مفتاح السعادة» لطاش كبري زاده، حيدر آباد الدكن 1329، ج1، ص69 وما يليها.
9، 10 «صبح الأعشى» ج3، ص24، ص5 وأيضا 25.
11 «رسالة أبي حيان التوحيدي في علم الكتابة» نشرها
Franz Rosenthal ، ونقلها إلى الإنجليزية في مجلة
Ars Islamica (جامعة
Michigan ) الجزء 13-14، ص22، 25 (راجع هنالك أيضا الترجمة ص15 والهامش).
12
أيضا: «أول مخلوق القلم»: رواية الترمذي، وأبي دواد، وزيد بن علي، وأحمد بن حنبل، والطيالسي. راجع «مفتاح كنوز السنة» المذكور في رقم 1، مادة: «القلم والخليقة» وفي «صبح الأعشى»، ج2، ص434-435 روايات مع أصحابها.
13 «نهاية الأرب» للنويري، القاهرة 1929، ج7، ص27.
مسرد عربي-فرنسي لاصطلاحات الفلسفة والفن
INDEX ARABE-FRANÇAIS
أهمل هنا أكثر الألفاظ المتداولة المتعارفة، وأثبت الألفاظ التي استخرجتها بالمطالعة والتنقيب من كتب العرب والمستعربين، وكذلك الألفاظ التي استنبطتها من طرق شرحتها في رسالتي «اصطلاحات عربية لفن التصوير» (القاهرة 1948). وبعض الألفاظ المثبتة ولائد اليوم، وبعضها مما اهتديت إليه من قبل (انظر «مباحث عربية» القاهرة 1939، و«منمنمة دينية من أسلوب التصوير العربي البغدادي»، القاهرة 1948، وهذه تحوي الرسالة المذكورة فوق). وقد رأيت من الغلو أن أذهب ها هنا إلى إيضاح الاصطلاحات مع الاحتجاج لها، كما صنعت في تلك الرسالة، غير أني علقت على طائفة منها قد تسوق إلى الارتياب.
الاصطلاحات مرتبة على حروف المعجم العربية. (1) الفلسفة وما إليها
تأثر
émotion
توقان
aspiration
تجريدي
abŝtraĉtif
أجل
auguŝte
تحرج، تحمس
rigorisme (religieux)
إحساسة
sensation (une)
حصر
obséder (الحقيقة) الحاصلة
réalité
محصل
réalisé
محال
invraisemblable
حيز
espace
خلاء
vide
تخيل
fiĉtion
تدبير
calcul
تدرج
hiérarchie
اندفاع
impulsion
دقيقة
nuance
مركبات
composantes
رهيف
subtil
سرحان *
rêverie
سني
sublime
سار
diffusé
تسايل
fluidité
تصور (الإدراك المعنوي)
conception
متطابق (هو هو)
identique
طاقة
potentiel
عبث †
caprice
اعتباطا
gratuitement
العرضي
l’accidentel (فطرة) غامضة
obscure (disposition)
مستغلق
impénétrable
غاية
fin
فضول
surplus
انفعالي
passif
فكك
désintégrer
مقصد
intention
كون ‡
exiŝtence
لحظة §
inŝtant
لمحة
vision (du peintre)
لائحة ||
vision (apparition)
تمثل
représentation
مزاج
tempérament
ممتنع
impossible, irréalisable
متمايز
diŝtinĉt
منحنى
discipline (méthod)
منزع ¶
tendance
متناه
fini
هزة
enthousiasme
هلع **
inquiétude
وجوب
nécessité
وله ††
exaltation *
يعلم الكاتب أن الفصيح المتواتر هو «سرح» و «سروح» مصدران للفعل «سرح»، ولكنه آثر صيغة «السرحان» الجارية على ألسنة الناس عندنا، ويعبرون بها عن شرود الفكر، زيادة على أن صيغة «الفعلان» غالبة على الحركة والاضطراب نحو: الجولان، الخفقان. †
في «التعريفات» للجرجاني: «العبث: ارتكاب أمر غير معلوم الفائدة، وقيل ما ليس فيه غرض صحيح لقائله.» ‡
عن ابن سينا في «الشفا» و«النجاة». §
أوثر «اللحظة» وهي من اصطلاحات اليوم على «الوقت» الذي استعمله الصوفية قديما. ||
عن الصوفية: «رسالة ابن عربي» في «ذيل التعريفات» للجرجاني. ¶ «نزاع» عند ابن سينا، تركها مخافة اللبس، و«النزعة» مما يدور على ألسنتنا اليوم بغير تدقيق.
وهناك لفظة أخرى هي «أريحية»، ولكن غلب عليها الآن معنى السخاء، ويستعمل أهل الفلسفة لهذا العهد لفظة «حماس»، وهي في اللغة غير هذا. **
استعملت الصوفية كلمة «قبض» (أخبار الحلاج طبعة ماسينيون وكراوس، باريس 1936، ص28 و67، و«رسالة عربي» في «ذيل التعريفات»)، وأنا أعدل عنها هربا من اللبس. ††
عن الصوفية: «رسالة ابن عربي» في «ذيل التعريفات». (2) التصوير
أداء
rendu
أسلوب
formule
بتر الشكل
amputer la forme
مبسوط
plat
مبتكر
original
بنية
ŝtruĉture (خط) مثبج *
indéchiffrable (écriture)
انثناءة
ondulation (une) (الفن) المجرد
abŝtrait (l’art)
جسة
touche
جسم
modeler (صبغ) محبب
granuleux
احتذى
imiter
استحضار
évocation
تحويل
transmutaion
خرجة
saillie
خلع الشكل
désarticuler la forme
خيط †
lacet (arabesque)
خيالة (= شخص)
figure (personnage)
دنيوي
profane
ترتيب
ordonnance
مرتجل
improvisé
رصف
agencement
تراصف ‡
symétrie
رقش §
arabesque (art de l’)
رقشة
arabesque (une)
ترقين
enluminure (art de l’)
ترقينة
enluminure (une)
رمي ||
jet (arabesque) (فن) ترويح
agrément (art d’)
رواق
arcade
زخرف
ornement
تزويق
illuŝtration
مسبوك
coulé
سطح
surface
مسطور
tracé (écriture)
ساحة (التنميق)
champ (à décorer)
مساق
courant
مستوى
plan
إشباع (اللون)
saturation (couleur)
اشتباكة
entrelacs
تشكل
plaŝtique
صبغ
teinte
اصطراف
transposition
صلابة
roideur
صنعة
technique
صيغة
motif
طريقة
procédé
مطلب
thème
تطوس
chatoiement
أطواء، مكاسر (الثوب)
plis
اعتدال ¶
èquilibre (أطواء أو حروف) معرجة
tourmentés (plis ou letters)
عصاب
bandeau
فجاجة (اللون)
crudité (d’une couleur) (فن) فاخر
somptuaire (art)
إفريز
frise
اقتضاب
ŝtylisation
لدونة
flexuosité
لطخة
empâtement
اللواحق
l’accessoire
لون
couleur
مسخ
défigurer, dénaturer
متسملح
gracieux
مملس
lisse
مهاد
fond
مار (اللون)
flotter (couleur)
موه
maquiller
نبرة
renflement
نتوء
relief
مناسبة
proportion
نسج
texture
نقش **
colorer
نمط
manière
تنميق
décoration
منمق
décor
منمنمة
miniature
نهج
schème
وثبة
ressaut
توازن
balancement
يبس ††
hiératisme *
أي غير واضح، اطلب «أساس البلاغة» للزمخشري، وغيره: ث ب ج. †
انظر «رقش»، الهامش § . ‡
ضدها «تجانف» انظر رسالتي «اصطلاحات عربية لفن التصوير». §
للرقش طريقتان كما هو مذكور في النص ومشروح: «الرمي» و«الخيط»، وهذان الاصطلاحان مما أخبرني به شيوخ أهل الصناعة في دمشق، وأما في مصر فقد طال سؤالي، وظل الجواب غير مرض، وهذا هو: «رسم هندسي» للخيط، و«رسم أرابسكة» للرمي، حتى جاءني نقاش من أيام معدودات يدهن حائطا في داري، وكان شيخا أكلت الأصباغ ضوء عينيه، فسألته، فقال على الفور: كان معلمي يقول: «البلدي» (للخيط) و«العربي» (للرمي)، وهذا الجواب، وإن كان أقل دقة وطرافة من جواب الدهانين الدمشقيين، ليثير التفكير، هل معناه أن طريقة الخيط من نصيب الصناعة المصرية الأصيلة، على حين أن طريقة الرمي جاءت بها العبقرية العربية؟ ||
انظر الهامش السابق. ¶ «استقامة» عند ابن سينا، ومعولي هنا على كتب اللغة .
انظر «التعريفات» للجرجاني: «المموهة: هي التي يكون ظاهرها مخالفا لباطنها.» **
في «لسان العرب»: «التنقيش: تلوين الشيء بلونين أو ألوان.» وأما
colorier
فتكون: لون (بتشديد الواو). ††
عن مصطلحات الخط، انظر «صبح الأعشى» للقلقشندي، ج3، ص15 (الخط اليابس ويقابله اللين).
اللوح 1
اللوح 2
اللوح 3
اللوح 4
اللوح 5
اللوح 6
اللوح 7
اللوح 8
اللوح 9
اللوح 10
اللوح 11
اللوح 12
اللوح 13
اللوح 14
اللوح 15
اللوح 16
Unknown page