شرعت دوروثي تمشي بمحاذاة صف الأزهار محاولة تجنب السير على النباتات، حتى وقفت على عشب آل كينج. وفي الشرفة المضاءة تمكنت من رؤية شخصين، وحينما اقتربت أكثر تبين لها أنهما جانيت وبلير كينج. بدا أن جانيت جالسة مرتكزة على ركبتيها على وسادة أو كرسي خفيض، وكانت تخلع بلوزتها المطرزة حتى صارت عارية، فيما كان بلير كينج يقف على مسافة منها يخلع ملابسه أيضا، على مهل. بالطبع في أوقاتنا هذه ليس هذا بالأمر الجلل. كان هذا ما تسببت فيه دوروثي، ولكنها لم تكن بحاجة إلى القلق؛ فمن شأنهما أن ينسيا هما أنفسهما الأمر برمته في الغد، أو في غضون أسبوع اعتبارا من يوم غد. أم تراهما لن ينسياه؟ لا يمكنك القول إنهما متحابان، وإنما كانا في حالة سكر شديدة.
جلس بلير كينج على ركبتيه في مواجهة جانيت مقتربا بوجهه منها فمالت هي فوقه وأمسكت برأسه. بدا جسمها البرونزي في ضوء الشرفة ذهبيا، فيما بدا جسمه هو أبيض. تعانقا. وأخيرا كفت دوروثي عن مشاهدتهما؛ فقد انحبست أنفاسها لما رأتهما على هذا النحو. والآن وقد طرحا ملابسهما جانبا، طرحا معها ما كانت تعرفه عن مظهرهما وحركاتهما، أو بالأحرى ما جعلاها تعرفه عنهما. بدوا لها غريبين ومألوفين في الوقت نفسه، مثل التماثيل بالمتاحف، ولكنهما مفعمان بالحياة وأخرقان تماما! كانا يتلويان في الضوء بلا خجل وكأن لا شيء يهم، تنهل منه وينهل منها، يتطلعان وينهب كل منهما الآخر نهبا. لو كان بمقدورها أن تنادي عليهما، لقالت لهما بصوتها المدرسي: توقفا عن ذلك، توقفا عن ذلك فورا! كانت ستصف تلك الدعوة بالتحذير أكثر من كونها توبيخا. ولكنها رأت نفسها لا حول لها ولا قوة أمام جرأتهما، رأتهما أيضا مسلوبي الإرادة ومعرضين لخطر بالغ كما لو كانا يركبان طوفا يجرفه تيار قوي نحو شلال بالغ الارتفاع، وليس بمقدور أحد تنبيههما. وقعا معا، تشابكا، واعتلى كل منهما الآخر في صمت وراء الزجاج.
بدأت دوروثي تلاحظ أن جسدها كله يرتعش، وركبتيها لا تقويان على حملها، ورأسها يدق بقوة، فتساءلت هل هذه أعراض حدوث السكتة الدماغية، سيكون مفجعا أن يحدث لها هذا هنا، وبملابس النوم، وليست حتى في محيط منزلها. عادت أدراجها مارة بصف الأزهار وصولا لمقدم منزلها. شعرت ببعض التحسن عندما مشت، وما إن وصلت للدرج حتى أحست براحة أنها لم تصب بسكتة دماغية بعد كل ما رأت. ظلت جالسة على الدرج دقائق قليلة لتتمالك نفسها مغمضة عينيها.
تخيلت من فورها شخصين ملتحمين، متصلبين، ومشرقين، مثل تلك الشخصيات المرسومة في اللوحات التي كانت تعلقها على السبورة - لتفاجئ نفسها - في المناسبات والاحتفالات.
ماذا لو أن فايولا شاهدت أيا من ذلك؟ إنه يفوق قدرتها على التحمل. فالقوة أمر ضروري، إضافة إلى شيء آخر مثل الامتنان، إذا كنت تنوين التحول إلى سيدة تتلصص على الآخرين في نهاية حياتك.
المرأة الإسبانية
عزيزي هيو، عزيزتي مارجريت
اختليت بنفسي فترة طيبة خلال تلك الأسابيع الماضية، مفكرة في حالنا معا، حتى توصلت إلى عدة استنتاجات مثيرة وإن كانت غير جديدة بالكلية، ألا وهي: (1)
الاكتفاء بزوج واحد ليس من طبيعة الرجل ولا المرأة. (2)
السبب الذي يجعلنا نحس بالغيرة هو الهجران . هذه فكرة سخيفة؛ لأنني كإنسانة ناضجة أستطيع الاعتناء بنفسي؛ لا يمكن أن أتعرض للهجر بالمعنى الحرفي للكلمة. أيضا نشعر بالغيرة، أو بالأحرى أشعر بالغيرة بسبب افتراضي أنه إذا كان هيو يحب مارجريت، فهو يأخذ شيئا مني ويعطيها إياه. الأمر ليس كذلك بالضبط؛ فإما أنه يحبها أكثر مما يحبني - إلى جانب الحب الذي يكنه لي - أو أنه لم يحمل لي بداخله حبا من الأساس. وحتى إن كان الأمر الأخير حقيقيا، فهذا لا يعني أنني إنسانة غير جديرة بالحب. إذا كنت أشعر بداخلي أنني قوية وسعيدة، فإن حب هيو لي غير ضروري لاعتدادي بذاتي، وإذا كان هيو بالفعل يحب مارجريت فيجب أن أكون فرحة، أليس كذلك؟ أفلا ينبغي أن أكون فرحة لأن هيو يشعر بهذه السعادة في حياته؟ ولا يمكنني أن أطالبه بشيء ...
Unknown page