دار الحوار بينهم عن الطعام والشراب والمرض والعلاج، وتحدثت جانيت عن طبيب في كريت كان يزعم أن كافة السيدات الأجنبيات اللاتي كن يذهبن لاستشارته يأتين من أجل الإجهاض؛ لذا قام الآخرون بإقناعه بصعوبة بالغة أن يصبح طبيب أنف وأذن وحنجرة. حكى بلير كينج عن طبيب في إسبانيا ذهبت إليه نانسي لآلام في معدتها فأعطاها دواء مسهلا قويا، وبعد أن أخذته بساعتين تضاعف ذلك الألم، كنا في قصر الحمراء حينها وكان يعترينا اليأس. «هذا ما تتذكره نانسي دائما عن إسبانيا، مع أننا قمنا بزيارة أماكن قمة في الروعة، وشاهدنا كل المناظر الخلابة. كان هذا واحدا من الأماكن التي كانت نانسي تتوق وتسعى دائما لزيارتها، لكننا كنا طوال الوقت نفكر في شيء واحد: أين دورة مياه السيدات؟»
صاحت جانيت ساخرة لكن بحذر: «آه، احتياجات المرء الضرورية، دائما ما يأتي الشعور للمرء بقضاء الحاجة في أوقات غير مناسبة، وتكون أهم شيء يجب القيام به فورا، أتذكر أن حدث لي ذلك على متن سفينة متوجهة إلى اليونان.»
تكاد دوروثي تجزم للمرة الثانية بأنها تعلم ما يدور بعقل فايولا الآن: «عجبا، هل هذه هي الطريقة التي أصبح يتحدث بها الرجال والسيدات في هذه الأيام؟ لا عجب من أنها لم تتزوج حتى الآن.» «وبالطبع كان الأمر كذلك لنانسي حينها، نانسي وقورة، أنت لم تقابليها من قبل، هي من نوعية الناس التي لا تستطيعين بالضبط القول بأنها متكبرة لكنها ... حسنا، أنا شخصيا أعتقد أنها من نوعية سيدات المجتمع.»
أومأت جانيت برأسها قائلة: «آها» بطريقة تمزج بها المجاملة ومسحة بسيطة من التهكم، وربما لم يع بلير كينج ذلك حيث إنه واصل حديثه عن زوجته. ما الذي تسعى جانيت إليه؟ هل هذا الدلال أسلوب جديد لها؟ مع أنها تتحدث بانطلاق وحيوية، فإن شيئا ما يظل خافيا بجانيت، شيئا جادا لكنه خاضع لشيء ما، غالبا تخاف الوحدة.
انتقلوا من الحديث عن الأطباء إلى الحديث عن الأماكن التي يتم فيها سرقة المرء قبل أن تطرف عينه، وعن أماكن أخرى تستطيع ترك سيارتك بها، محملة بالأشياء، وغير مقفولة ومع ذلك تكون آمنة تماما. قالت جانيت: «في شمال أفريقيا، سرقت أشيائي كاملة، مع أن سيارة التخييم كانت مقفلة، كنت وحدي بهذا الوقت؛ فقد انفصلت عن رفقتي وكنت مستاءة من ذلك أيضا ...» حدثت دوروثي نفسها؛ هو رجل إذن، ولكن في الحال تراجعت، فربما كانت فتاة. أحيانا كانت تتمنى لو لم تعرف عن العالم بالطريقة التي تعرف عنه بها، القراءة.
استطردت جانيت: «كان ذلك في مراكش، سرقت مني كل أغراضي، كل أغراضي الجميلة؛ من فساتين مغربية، وملابس كنت قد اشتريتها لأصدقائي، وحلي، وطبعا الكاميرا، وكل الأشياء التي كانت بسيارة التخييم، كل ما فعلته أني جلست وحيدة بالسيارة أبكي، بعد قليل أتى صبيان من العرب، حسنا، هما ليسا صبيين، بل شابان، لكنهما هزيلان لدرجة أنني اعتقدت للوهلة الأولى أنهما أصغر مما هما عليه، أتيا نحوي وحاولا التحدث معي، وكان واحد منهما يتحدث الإنجليزية جيدا. في البداية لم أكن حتى أرد عليهما؛ فقد كرهت كل العرب، كرهت كل المغاربة، وألقيت اللوم عليهم حزنا على أشيائي التي سرقت. لم أقل لهما ما الذي حدث، ومع ذلك استمرا في الوقوف معي، أو على الأقل الشاب الذي يتحدث، حتى شرحت لهما في النهاية بفظاظة ما حدث، فنصحاني بالذهاب إلى الشرطة. قلت ساخرة: ها، ربما الشرطة كانت تراهم وهم يسرقون ولم تفعل شيئا. لكنهم نجحوا في إقناعي أخيرا. ذهبت معهما ليدلاني على الطريق، مر بذهني فكرة أنهما ربما لن يأخذاني إلى الشرطة، وأنني كنت غبية تماما حين وافقت على الذهاب معهما، لكن في الواقع لم آبه البتة! هل تعرف؟ لقد بدأت أميل إلى الثقة في الشاب الذي كان يتحدث معي بسبب عينيه الزرقاوين، أعلم أنه تعصب عنصري منذ زمن سحيق، لكن النازيين كانت عيونهم زرقاء، إلا أن عينيه أشعرتاني بالراحة بشكل أو بآخر، وذهبت معهما، حتى عندما تحتم علينا ترك السيارة والمشي على أقدامنا بتلك الطرق المنحنية والملتوية ذات الرائحة المميزة بالحي العربي. وعندما علمت أننا لن نذهب إلى الشرطة، لم أستطع معرفة طريق العودة، وقلت لهما صراحة، أنتما لن تأخذاني للشرطة، أليس كذلك؟ وأجابا بلى، وقال ذو العينين الزرقاوين: ليس الآن، سآخذك أولا إلى المنزل لأعرفك بأمي!»
قالت فايولا مشجعة: «حسنا، كان هذا لطفا منه على كل حال.»
أما بلير كينج فاكتفى بالضحك. «أعرف، قال إنه سيعرفني بأمه وأخته، وفي الحال وصلنا إلى منزل، بالأحرى هو باب، فأنتم تعرفون جدران البيوت هناك متلاصقة، ودلفنا إلى غرفة صغيرة مجردة إلا من أريكة ومصباح كهربائي. قال لي انتظري دقيقة، ودخل عبر باب آخر، بينما جلس الآخر بجواري، لم يعجبني صديقه قط، فهو متجهم الوجه، ولا يتحدث. جلست على الأريكة، وبعد مدة طويلة أتى الأول واعتذر أن أمه وأخته خلدتا إلى النوم، ثم قال إنه ذاهب لإحضار بعض الطعام، وطلبت منه أن يأخذني معه ويعيدني، قال لاحقا، وتركني ثانية مع صديقه، وما إن خرج من هنا حتى بدأت أشياء غريبة في الحدوث. أتى صديقه ليجلس بجواري على الأريكة وبدأ يلمس يدي وذراعي محاولا التحدث معي، حاولت السيطرة على الموقف وحاولت أن أبدو عادية وأسأله بعض الأسئلة، لكن توتري ازداد جدا. أيقنت حينها أنه ترتيب فيما بينهما، فكنت بالفعل متوترة جدا. بدأ يزحف نحوي على الأريكة وكان علي أن أنهض، وبعدها تلاشت كل تلك المظاهر وحاصرني في أحد الأركان وأخرج سكينا ...»
صاحت فايولا: «آوووه، كيف تذهبين إلى بلد كهذا؟» «ووضع السكين على رقبتي وطلب مني ... حسنا، حينها كان المشهد واضحا تماما، ولكنني ما برحت أقول له لا، لا، رفضت النظر إلى أي شيء.»
قال بلير كينج، وكأن القصة كلها مزحة: «لكن السكين كانت على رقبتك.» «حسنا، لقد اعتقدت لوهلة أنه كان يمثل، وكدت أجزم بذلك؛ إن الأمر كله كان أشبه بلعبة. ثم أتى ذو العينين الزرقاوين، وكان قد ذهب لإحضار طعام بالفعل، أحضر بعض الجبن وما إلى ذلك، فتضايق جدا أو بدا عليه ذلك عندما رأى ما يحدث . بالطبع وضع الآخر سكينه جانبا واعتذر ذو العينين الزرقاوين بأدب جم، وجلسنا جميعا لنأكل. كان شيئا لا يصدقه عقل، ثم قال ذو العينين الزرقاوين إنه سيريني طريق العودة، وبالفعل ذهب معي، كان لطيفا، وفي طريق العودة طلب مني الزواج.»
Unknown page