82

صاحت جانيت بلهجة لم يفهم الغرض منها: «رائع، مثل أوسكار وايلد، سأحضر بعضا من الخيار أيضا.» أعادت عقد ضفيرة شعرها وهي تدندن بسعادة، وهي لا تصدق نفسها أنها ستخرج بمفردها لنصف ساعة. ركضت للخارج وركبت السيارة وهي تغني: «الجين والصودا، الليمون، والخياااار.»

قالت فايولا مستغربة: «ستذهب إلى المتجر حافية القدمين.» •••

بحلول منتصف النهار كانت جانيت مستلقية بالفناء الخلفي تحت أشعة الشمس، لم تستطع فايولا رؤيتها، ولتحمد جانيت ربها على ذلك؛ فلو رأتها فايولا لقالت: «هل هذا بديل البكيني؟ اعتقدت أنها تربط شريطين حول نفسها وحسب.»

لكن غرفة فايولا كانت تقع بمقدمة المنزل، أما غرفة دوروثي فكانت في مؤخره، وكانتا كلتاهما تنامان القيلولة اعتقادا منهما أنها تكسر ملل اليوم وتعبه. كانت دوروثي تعتبر القيلولة ترفا في نهار الصيف حينما كانت معلمة؛ فقد كانت الدراسة تتعبها خلال السنوات الأخيرة، ولم تكن تأخذ إجازة الصيف كاملة؛ حيث إن وزارة التعليم قررت بحكمتها اللامحدودة إرسالها إلى تورونتو ثلاثة أسابيع تقضيها في غرفة حارة مستأجرة لتلقي دورات تدريبية ستمكنها من تطبيق طرق واتجاهات حديثة في تدريسها بالفصل (في الواقع هي لم تطبق شيئا من هذا، بل استمرت في التدريس بالطريقة التي اعتادت عليها دائما). وعندما عادت من تورونتو وجدت جانيت، لكن جانيت لم تجبرها على تغيير الكثير من نمط حياتها؛ فاستمرت في أخذ القيلولة بالطابق العلوي، بل وأطالت مدتها. أحيانا كانت تلمح جانيت وهي بحجرة الجلوس تقرأ أحد الكتب، أو تجدها على الأرجوحة بالشرفة الخلفية، وإحدى قدميها مدلاة تدق بها الأرض بين الفينة والفينة لإبقاء الأرجوحة مهتزة. فكانت تتساءل بداخلها: هل تلك الطفلة سعيدة؟ هل عليها فعل المزيد لإسعادها؟ هل تأخذها مثلا لحمام السباحة الجديد؟ أم هل تشترك لها بدروس التنس؟ وبعدها تتذكر أن جانيت قد تخطت مرحلة أن يصطحبها أحد لمكان ما، وأنها لو كانت ترغب في الاشتراك بدروس التنس لسألت عنها بالتأكيد. هذا بالضبط ما كانت دوروثي تحب فعله عندما كانت صغيرة وما زالت تحبه حتى الآن؛ فكان من الطبيعي لكلتيهما أن تجتمعا على طاولة الطعام وكل واحدة منهما تقرأ كتابا. الآن جانيت أصبحت تقرأ أقل من ذي قبل، ربما لأنها انشغلت بالدراسة.

أصاب دوروثي نوع من السأم هذه الأيام، ففي الفصل لم تكن تسعى لشيء أكثر من التأكد من إن كان تلاميذها قد استوعبوا أساسيات الرياضيات والتهجية، والحقائق التاريخية والعلمية والجغرافية التي كان عليها تدريسها لهم. كانت ترى جانيت، الفتاة الخجولة الجادة، لا تكبر كثيرا عن تلاميذها. «طالبة للعلم» هو التعبير المناسب لوصف جانيت، مع أنه تعبير قديم الاستخدام. لقد تيقنت دوروثي وقتها، ودون الحاجة إلى التشكك في الأمر أو حتى التفكير به، أن جانيت تعتبر امتدادا طبيعيا لها. لكن هذا لم يعد ظاهرا؛ فالرابط بينهما إما أنه انكسر أو لم يعد مرئيا. ولبعض الوقت كانت دوروثي تلقي نظرة من شباك غرفتها على جسد حفيدتها البني العاري، الذي بدا وكأنه رسم هيروغليفي كبير مرسوم على العشب. •••

بدأ بلير كينج يروي وهو جالس بالشرفة الجانبية مرتشفا الجين: «وعلى الطريق السريع ...» كانت جانيت هي من يرمي إليها بكلامه، في حين كانت دوروثي تتابع الحديث بانتباه، لكن ليس بارتياح. «أوه، الطريق السريع! إنها أسوأ تجربة بحياتي، أن أقود على الطريق إلى لندن في الضباب، بسرعة لا تزيد عن ستين كيلومترا في الساعة، فلا تستطيع تجاوز تلك السرعة في ذلك الضباب، ضباب كثيف بمعنى الكلمة، لدرجة أنك لا تستطيع الرؤية أبعد من عشرة أقدام أمامك. ذات مرة استأجرت أنا وأحد أصدقائي سيارة تخييم، لكني لم أتعلم قيادتها جيدا، ودخلنا بواحد من تلك الطرق الدائرية ولم نستطع الخروج منها، وأخذنا ندور وندور على الطريق، فكان الأمر أشبه بمسرحية رمزية يقدمها طلبة الجامعة.»

هل كان بلير كينج يعي ما كانت تحكيه؟ يبدو ذلك؛ فقد كان يتطلع إلى وجهها ويتمتم مشجعا. كانت هذه أول مرة تسمع فيها دوروثي عن سيارة التخييم، أو الصديق، أو حتى عن ذلك الطريق السريع. لم تذكر جانيت شيئا عن أوروبا لجدتها أو لفايولا أكثر من ذكرها للأماكن التي تعج بالسائحين، والبيوت الرطبة باليونان خلال فصل الشتاء، وأن السمك المجمد من أثينا يتكلف أقل من ذلك السمك الذي يصيده الفلاحون. وأخذت تصف الأشياء التي يأكلونها إلى أن صرحت فايولا أنها تشعر بالغثيان.

تكاد دوروثي تجزم بأن فايولا الآن تتساءل إن كان ذلك الصديق رجلا أم فتاة؟

قضى بلير كينج وزوجته ستة أشهر بأوروبا منذ ثلاث سنوات؛ ولم يسمح لهم بلير خلال فترة الزيارة بنسيان زوجته؛ بل ظل طوال حديثه يذكر اسمها، أنا ونانسي، نانسي قادت السيارة على الطريق في سويسرا، نانسي أحبت البرتغال لكن إسبانيا لم تعجبها كثيرا، نانسي كانت تحب مصارعة الثيران بالبرتغال. وكانت فايولا تتداخل معه في الحديث من حين لآخر متحدثة عن الأسابيع الثلاثة التي قضتها مع زوجها ببريطانيا العظمى سنة 1956، في حين جلست دوروثي تستمع وتحتسي الشراب الذي لم يكن يعجبها طعمه، وهي تفكر بأن جانيت وعدتها بألا تفرط في شرب الجين. لم تكن تستطيع الشكوى حتى وإن واجهتها مشكلة في التواصل مع حديثهما؛ فقد كان هذا ما تعول عليه؛ أن يكون بلير كينج بالنسبة لجانيت أكثر من مجرد شخص عادي، وأن تشعر جانيت بالانطلاق في الحديث لتتمكن دوروثي من الاستماع ومحاولة فهم شخصية جانيت أكثر؛ لذا جلست مركزة تستمع فقط لأصواتهما، حيث كانت الشرفة مظلمة. طلبت منهما دوروثي إشعال المصابيح، لكن جانيت صاحت: لا، لا، فكانوا أشبه بمن يجلس بصندوق صغير حار في حين كانت كل أنواع الحشرات ترف حول الستارة.

قالت جانيت لبلير كينج: «أنا لا أمانع الجلوس بالظلام أبدا، وأنت؟» استنبطت دوروثي شيئا ما في نبرة صوت جانيت، هل هو مكر أم احترام أم انتقاص؟ هذا ما سيكشف عنه قادم الأيام.

Unknown page