المجلد الأول
المقدمات
المقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ .
الحمد لله الذي علم بالقلم، وهدى العمم، ورفع أمة الإسلام فوق باقي الأمم، نحمدك الله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ونصلي ونسلم ونبارك على من اخترته واصطفيته بعظيم محبتك وحنانك محمدًا ﷺ.
أيها القارئ العزيز الكريم:
تحية طيبة من الله مباركة وبعد:
فبين يديك الكريمة كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح عثمان بن جني النحوي، والذي اشتهر بين العلماء باسم "سر الصناعة" ذلك أن الكتاب يميل إلى اللغة وعلومها أكثر من النحو، وعندما نتحدث عن اللغة والنحو فإن الحديث يطول ولذا فإننا لا ننكر فضل النحو على اللغة، ولا اللغة على النحو فكلاهما علم متمم للآخر، وهذا ما أراد ابن جني التركيز عليه في كتابه هذا.
وهذا على قدر فهمنا وتحليلنا لكتابه القيم، ونرجو ان نكون قد وفقنا في حكمنا هذا من خلال تحقيقنا لكتاب ابن جني.
أما منهج ابن جني في كتابه فنرى أنه قد اعتمد على حروف المعجم التي تتكون منها بنية الكلمة، فقام بتحليلها من عدة جوانب.
١- ترتيبها: فقد رتبها ترتيبًا هجائيًّا "الهمزة، الباء، التاء، الثاء. إلخ".
1 / 3
٢- من حيث جهرها وهمسها: وذلك عند تناوله لكل حرف فقد حدد نوعه من حيث كونه مجهورًا أو مهموسًا.
٣- الإطباق والانفتاح: فقام بتحديد حروف الإطباق وأهميتها والغرض من كونها مطبقة أو منفتحة.
٤- الإشمام: فحد حروف الإشمام وكيفيته وأهيمته.
٥- الاستعلاء والاستيفال: فنراه أيضا قد قسم الحروف بحسب نوعها من جهة الاستعلاء والاستيفال والمقصود منه.
٦- الشدة والرخاوة: فقام بتحديد الحروف الرخوة معللًا لرخاوتها، وحروف الشدة والسر في شدتها.
٧- قام بتحديد حروف العلة، وكذا الحروف الصحيحة.
فنراه عند ذكر كل حرف يحدد نوعه من جهة الصحة والاعتلال، وأهمية ذلك وتأثيره في بنية الكلمة، وهو جزء خاص بالنحو لا باللغة.
٨- قام بدراسة صوتية للحروف وما يعتريها من حذف أو إبدال أو زيادة، فشرح الأمثلة ووضح متى يأتي كل حرف أصليًا أو زائدًا أو مبدلًا، وأهمية ذلك عند دراستنا للهجات القبائل المختلفة مثل البأبأة، والكشكشة، والعنعنة، وغيرها.
٩- الإدغام: فقام بشرح أهميته، وما يحدث لكل حرف إذا تم إدغامه أو تسهيله.
١٠- الإمالة: حيث حدد مفهومها وحروفها وأهميتها لغة ونحوًا.
١١- النقل والحذف: وأهميتها بالنسبة لكل حرف موضحًا متى يجوز النقل أو الحذف.
١٢- حدد بعض الحروف وتأثيرها في إعراب الكلمة:
فمثلا حرف الكاف بعد أن يحدد وصفة يحدد أهميته الإعرابية من حيث كونه حرف جر يؤثر في الاسم ويعمل فيه الجر.
1 / 4
وحرفًا مثل حرف الواو فهو يأتي عاطفًا ما بعده على ما قبله، ويأتي جارًّا لما بعده مثل واو رب، ويأتي واو القسم في أسلوب القسم وهكذا حيث كان يحدد كنه كل حرف ووظيفته اللغوية والإعرابية مما يضفي على دراسته وتناوله للحروف الهجائية شيئًا من التكامل بين اللغة والنحو.
وهو في كل ما سبق يضرب الأمثلة ويشرح الأمثلة ويشرح السبب ويقنع بالحجة على وجاهة منطقة وحسن تعليله لما توصل إليه من أحكام لا تحتمل اللبس أو التأويل متخذًا من كتاب الله، وسنة رسوله، وشعر العرب الذي ساقوه في دواوينهم الدليل على ما يسوقه ويقدمه، وهذا ما جعل الكتاب يزخر بالأمثلة المتنوعة.
بل وأحيانًا يفند آراء غيره ويرد عليهم من كلامهم الذي يقدمونه دليلًا عليهم لا لهم، وهو في ذلك كله يعتمد على رجاحة عقله وسديد رأيه.
ونجده أحيانًا يسوق آراء اللغويين والنحويين ثم يجتهد فيفندها ويسوق رأيه الخاص المستقل غير مكتف بالرد عليهم أو تفنيد آرائهم فقط.
وبعد،
عزيزي القارئ فهذا ما عنَّ لنا من خلال دراستنا وتحقيقنا لكتاب ابن جني.
أما منهجنا الذي اتبعناه في التحقيق فقد قمنا بشرح الغريب والشاذ مع تفسير وشرح بسيط للشاهد الذي ساقه ابن جني أو غيره ممن يرد عليهم مع إعراب هذا الشاهد لنترك للقارئ العزيز في النهاية الحكم له أو عليه، أي أننا سرنا في محاور عدة أهمها:
١- تحقيق الكتاب من خلال المخطوط.
٢- شرح الغريب في الشاهد.
٣- شرح الشاهد ككل إن كان آية قرآنية أو حديث شريف أو بيت من الشعر.
٤- إعراب ذلك الشاهد على وجوهه المختلفة إن كان له أكثر من وجهة إعرابية، وذلك حتى يتسنى للقارئ أن يقدم على قراءة الكتاب بشيء من السهولة واليسر.
ولم نتعمد أن نثقل عليك أيه القارئ العزيز بمقدمة طويلة نضرب فيها الأمثلة على ما سقناه من تحليلنا لكتاب ابن جني، ذلك أن ما قدمناه سنتناوله بالشرح والتعليق
1 / 5
كل رأي وكل حكم في موقعه، وذلك حتى لا تفقد المقدمة بطولها حلاوة الكتاب وطلاوته.
فإذا أصبنا فهو ما نصبو إليه ونتمناه، وإن لم نحقق الهدف المرجو فالعزاء الوحيد أن الكمال لله وحده رب العالمين.
وأخيرًا آملين داعين الله ﷿ أن يكون قد جنبنا مواطن الزلل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحققان
أحمد رشدي شحاته عامر
محمد فارس
1 / 6
ترجمة المؤلف:
هو أبو الفتح عثمان بن جني النحوي الأزدي بالولاء، كان أبوه روميًّا مملوكًا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي من أعيان الموصل. ولد أبو الفتح سنة ٣٣٤هـ.
وقد لازم أبو الفتح أبا علي الفارسي أربعين عامًا حتى صار كأنه كاتب له، ويظهر هذا في سر الصناعة حيث يذكره كثيرًا، وكانا في النحو على المذهب البصري.
وأخذ أيضا عن: أحمد بن محمد الموصلي، وأبو بكر محمد بن الحسن المعروف بابن مقسم، وروى عن أبي الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني، وعن أبي حاتم السجستاني، وعن أبي عباس المبرد.
له من كتب:
١- اسم المفعول.
٢- التبصرة في العروض.
٣- تذكرة الأصبهانية.
٤- التصريف الملوكي.
٥- تفسير المرائي الثقة.
٦- القصيدة الرائية للرضي.
٧- التمام في شرح شعر الهذليين.
٨- التلقين في النحو.
٩- التنبيه في الفروع.
١٠- الخصائص في النحو.
١١- سر الصناعة وشرحه "وهو كتابنا هذا"
١٢- شرح مستغلق أبيات الحماسة.
١٣- شرح الفصيح لثعلب في اللغة.
١٤- شرح كتاب المقصور والممدود لأبي علي الفارسي.
١٥- كتاب الصبر في شرح كتاب المتنبي.
١٦- الكافي في شرح القوافي للأخفش.
1 / 7
١٧- كتاب الألفاظ من المهموز.
١٨- كتاب التعاقب.
١٩- كتاب العروض.
٢٠- كتاب الفرق بين كلام الخاص والعام
٢١- كتاب المذكر والمؤنث.
٢٢- كتاب المقصور والممدود.
٢٣- كتاب الوقف والابتداء.
٢٤- اللمع في النحو.
٢٥- محاسن العربية.
٢٦- المحتسب في شرح الشواذ لابن مجاهد في القراءات.
٢٧- مختار تذكرة أبي علي الفارسي.
٢٨- المسائل الخاطريات.
٢٩- المنصف في شرح التصريف للمازني.
٣٠- معاني أبيات المتنبي.
٣١- المفيدة في النحو.
٣٢- المقتضب من كلام العرب.
٣٣- المقتطف في معتل العين.
٣٤- المنتصف في النحو.
٣٥- المنهج في اشتقاق أسماء شعراء الحماسة.
٣٦- معاني المحررة.
٣٧- مقدمات أبواب التصريف.
٣٨- تفسير علويات الرضا.
٣٩- تفسير ديوان المتنبي.
٤٠- تفسير أرجوزة أبي النواس.
٤١- رسالة في مدد الأصوات.
٤٢- كتاب البشرى والظفر
٤٣- كتاب الخطيب.
٤٤- كتاب الفائق.
٤٥- كتاب الفصل بين كلام الخاص والعام.
٤٦- كتاب المغرب في شرح القوافي.
٤٧- كتاب المنتصف.
٤٨- كتاب النقض على ابن وكيع.
1 / 8
٤٩- ما أحضرنيه الخَطْر من المسائل المنثورة.
٥٠- ما خرج مني من تأييد التذكرة.
٥١- مختصر التصريف على إجماعه.
٥٢- مختصر العروض والقوافي.
٥٣- المهذب في النحو.
٥٤- النوادر الممتعة في العربية.
وغير ذلك.
وتوفي ﵀ ببغداد سنة "٧٩٢هـ" اثنتين وتسعين وسبعمائة١.
كتبه
طالب العلم/ محمد فارس
٢/ ربيع الثاني/ ١٤١٨هـ
٢/ ٩/ ١٩٩٧م
_________
١ انظر/ كشف الظنون "٢/ ٩٨٨"، "٥/ ٦٥٢".
1 / 9
النسخ الخطية:
لقد اعتمدنا بفضل الله الواحد الأحد الفرد الصمد في تحقيق هذا الكتاب على نسختين خطيتين:
إحداهما: نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم ١٢٠/ لغة.
والثانية: نسخة دار الكتب المصرية أيضا.
تحت رقم ٤٢٨٤٦/ عمومي، ١٦ لغة ش/ خصوصي.
ولا يسعني في النهاية إلا أن أقدم الشكر لمشايخي ووالدي ووالدتي.
والأستاذ/ فتحي صالح توفيق "جمع تصويري/ كمبيوتر"
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
رسمت، أطال الله بقاءك، وأحسن إمتاع العلم وأهله بك؛ فإنك بحمد الله ما زلت جمالا له ولهم، وقفا عليه وعليهم، إن أظلم شق منه، كنت لهم فيه سراجا١، أو طمس٢، منار له، وجدت إليه منهاجًا، أو قعد غيرك عنه، قمت بأعبائه٣، مراميا٤ عن حوزته٥ من أمامه وورائه، متقيلا٦، آثار أسلافك٧ الغر٨ الأطايب٩، الذين خصهم الله وإياك بأرفع المراتب، وانتضاهم١٠ من سلالة النجباء والنجائب١١ أن أضع كتابًا يشتمل على جميع أحكام حروف المعجم،
_________
١ سراجا: المصباح الزاهر"ج" سرج. لسان العرب "٣/ ١١٨٣"مادة "س. ر. ج".
٢ طمس: القلب ونحوه طموسا: فسد فلا يعي شيئا، وطمس الشيء طمسا شوهه أو محاه وأزاله. لسان العرب "٣/ ٢٧٠٣" مادة "ط. م. س".
٣ أعبائه: الحمل والثقل من أي شيء "ج" أعباء. لسان العرب "٤/ ٢٧٧٤" مادة" ع. ب. ء".
٤ مراميا: ما تهدف إليه "م" مرمى. يقال: هذا كلام بعيد المرامي. لسان العرب "٣/ ١٧٣٩".
٥ حوزته: أي ما في ملكه، وحوزة الإسلام حدوده. لسان "٢/ ١٠٤٥" مادة "ح. و. ز".
٦ متقيلا: يقال: تقيل فلان أباه وتقيضه تقيلا وتقيضًا إذا نزع إليه في الشبه. لسان "٥/ ٣٧٩٨".
٧ أسلافك: "م" السلف وهو كل ماتقدم من الآباء والأجداد. لسان العرب" ٣/ ٢٠٦٨".
٨ الغر: كريم الفعال وأوضحها. لسان العرب"٥/ ٣٢٣٢" مادة "غ. ر. ر".
٩ الأطايب: جمع أطيب، والمراد هنا أخيار الناس. لسان العرب "٤/ ٢٧٣١" مادة "ط. ي. ب".
١٠ انتضاهم: اختارهم. لسان العرب"٦/ ٤٤٥٧". مادة "ن. ض. ا".
يقال: انتضى الأسهم إذا استخرجها من كنانته، وانتضى السيف إذا أخرجه من غمده. وتؤول إلى اختارهم بنوع من المجاز.
١١ النجائب: جمع نجيبه، والنجيب: الفاضل السخي الحسيب الكريم.
والمراد هنا: الكرام ذوو الحسب. لسان العرب" ٦/ ٤٣٤٢" مادة "ن. ج. ب".
1 / 15
وأحوال كل حرف منها، وكيف مواقعه في كلام العرب. وأن اتقصى١ القول في ذلك، وأشبعه وأوكده٢، فاتبعت ما رسمته، ونتهيت إلى ما مثلته، ولم أجد مع ما أنا بسبيله، وأنت أدام الله عزك، أعدل شاهد لي بما لي من الغرض والمدل بهذه الصناعة، الكثير منتحلها٣ والقانع بالتمويه فيها، القليل محصلها والمطالب نفسه بأداء فروضها، لا مقيما عذرا لي في الوقوف دون أمرك، ولا مسهلا على الإخلال٤ بموجب حقك، لما يصلني بك من مرعي الذمم، ويضمني إليك من وكيد العصم.
وأنا بإذن الله ومعونته، وطوله ومشيئته، أبلغ من ذلك فوق قدر٥ الكفاية، وأحرز فيه بتوفيق الله قصب الغاية، وأجتنب ٦ مع ذلك الإسهاب ٧ والإطالة، إلا فيما تضمن نكتا٨، أو آثار دفينا، وأتبع كل حرف منها مما رويته عن حذاق٩ أصحابنا وجلتهم١٠، وحذوته١١ على مقاييسهم وأمثلتهم، ما أقدر أن فيه بلوغا لأمدك، وإصابة لغرضك. وأذكر أحوال هذه الحروف في مخارجها ومدارجها١٢.
_________
١ اتقصى: أي أبلغ الغاية في القول. لسان العرب "٥/ ٣٦٥٧" مادة" ق. ص. ي".
٢ وأوكده: ووكد الشيء أي أكده. لسان العرب "٦/ ٩٠٥" مادة "و. ك. د".
٣ منتحلها: نسبها لنفسه. لسان العرب "٦/ ٤٣٦٨" مادة "ن. ح. ل".
٤ الإخلال: ترك الحق. لسان العرب" ٢/ ١٢٤٨" مادة "خ. ل. ل".
٥ قدر: المقدار. لسان العرب" ٥/ ٣٥٤٥ "مادة "ق. د. ر".
٦ واجتنب: اجتنب الشيء: جانبه، لسان العرب "١/ ٦٩١" مادة "ج. ن. ب".
٧ الإسهاب: كثرة الكلام، وأسهب: أي أكثر الكلام. لسان العرب "٣/ ٢١٣١".
٨ نكتا: جمع نكته على القياس، كغرفة وغرف، والنكتة: الأثر الحاصل من نكت الأرض، والفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس، والمسألة العلمية الدقيقة يوصل إليها بدقة، وإمعان فكر، لسان العرب" ٦/ ٤٥٣٦". مادة "ن. ك. ت".
ولعل المراد هنا: التعليل لمسألة عويصة تعليلا تنبسيط له النفس.
٩ حذاق: مهرة في الصنعة. لسان العرب "٢/ ٨١٤". مادة "ح. ذ. ق".
١٠ جلتهم: المراد من أصحابه الذين ذكرهم من يذهبون مذهب نحاة البصرة. وجل الشيء معظمه. لسان العرب"١/ ٦٢٢". مادة "ج. ل. ل".
١١ حذوته: أي سار على مثاله. لسان العرب "٢/ ٨١٤" مادة "ح. ذ. و".
١٢" مدارجها: أي ما انطوت عليه. لسان العرب "٢/ ١٣٥١". مادة "د. ر. ج".
1 / 16
وانقسام أصنافها، وأحكام مجهورها١، ومهموسها٢، وشديدها ورخوها٣، وصحيحها ومعتلها٤، ومطبقها ومنفتحها٥، وساكنها ومتحركها، ومضغوطها ومهتوتها٦، ومنحرفها ومشربها، ومستويها٧ ومكررها، ومستعليها ومنخفضها٨، إلى غير ذلك من أجناسها وأذكر فرق ما بين الحرف والحركة، وأين محل٩ الحركة من الحرف: هل هي٩ قبله، أو معه، أو بعده؟ وأذكر أيضا الحروف التي هي
_________
١ مجهورها: المجهور في الأصوات: صوت يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات منتظمة كالذال والدال مثلا. لسان العرب "١/ ٧١٠". مادة "ج. هـ. ر".
٢ مهموسها: بخلاف مجهورها، والمهموس من الأصوات صوت لا يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات قوية أو منتظمة وعلامة الحرف المهموس أن يبقى النفس جاريا عند النطق به، والحروف المهموسة عشرة، يجمعها قولك "حثه شخص فسكت" لسان العرب "٦/ ٤٦٩٩".
٣ رخوها: الرخو: الذي يجري فيه الصوت، والحروف الرخوة ثلاثة عشر حرفا هي: الثاء والحاء، والخاء، والذال، والزاي، والظاء، والصاد، والضاد، والغين، والفاء، والسين، والشين، والهاء. لسان العرب "٣/ ١٦١٨". مادة "ر. خ. ا".
٤ صحيحها ومعتلها: بينهما تضاد يبرز المعني ويزيده وضوحا ويقصد به الصحة والاعتلال من حيث تصنيف الحرف إلى الصحيح والمعتل.
٥ مطبقها ومنفتحها: بينهما تضاد يبرز المعنى ويقويه ويقصد بها ما تنطبق به الشفتان عند النطق وما تنفتح عنده. والحروف المطبقة أربعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء والحروف فيما سواها منفتحة، والإطباق رفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى ولولا الإطباق لصارت الطاء دالًا، والصاد سينا، والظاء ذالًا، ولزالت الضاد لعدم الإطباق حيث تختفي البتة.
لسان العرب "٤/ ٢٦٧٣".
٦ مضغوطها ومهتوتها: قال الخليل: "الهمزة صوت مهتوت في أقصى الحلق، يصير همزة، فإذا رفه عن الهمزة كان نفسا يحول إلى مخرج الهاء".
وقال سيبويه: "من الحروف المهتوت، وهو الهاء وذلك لما فيها من الضعف والخفاء". ويبدو في قولهما اختلافها في اصطلاحهما في معني المهتوت.
ومن كلام ابن الجني: نرى أن المهتوت ما ليس بمضغوط، لما فيه من الضعف والخفاء كالهاء، ونستدل على ذلك من جعله المهتوت في مقابلة المضغوط في عبارته.
٧ ومستويها: استوى الشيء اعتدل ومستويها أي: ما اعتدل نطقه، لسان العرب "٣/ ٢١٦٤".
٨ ومنخفضها: سيأتي في كلام المؤلف عند ذكر كل حرف ما يتعلق به، مع التوضيح لهذه الصفات المذكورة.
٩ أين محل ... هل هي ... إلخ: استفهام يقصد به جذب الانتباه والإثارة.
1 / 17
فروع مستحسنة، والحروف التي هي فروع مسقبحة، والحركات التي هي فروع متولدة عن الحركات، كتفرع الحروف عن الحروف. وأذكر أيضا ما كان من الحروف في حال سكونه له مخرج ما، فإذا حرك أقلقته الحركة، وأزالته عن محله في حال سكونه. وأذكر أيضا أحوال هذه الحروف في أشكالها، والغرض في وضع واضعها، وكيف ألفاظها ما دامت أصواتا مقطعة، ثم كيف ألفاظها إذا صارت أسماء معربة، وما الذي يتوالى فيه إعلالان بعد نقله، مما يبقى بعد ذلك من الصحة على قديم حاله، وما يمكن تركبه ومجاورته من هذه الحروف وما لا يمكن ذلك فيه، وما يحسن وما يقبح فيه ما ذكرنا، ثم أفرد فيما بعد، لكل حرف منها بابا أغترق فيه ذكر أحواله وتصرفه في الكلام، من أصليته وزيادته، وصحته وعلته، وقلبه إلى غيره، وقلب غيره إليه.
وليس غرضنا في هذا الكتاب ذكر هذه الحروف مؤلفة، لأن ذلك كان يقود إلى استيعاب جميع اللغة، وهذا ما يطول جدا، وليس عليه عقدنا هذ الكتاب، وإنما الغرض فيه ذكر أحوال الحروف منفردة، أو منتزعة من أبنية الكلم التي هي مصوغة فيها لما يخصها من القول في أنفسها، وأقروا ذلك شيئا فشيئا على تأليف حروف المعجم، دون مدارج الحروف، كما آثرت، وبه أمرت، وسأتجشم لطاعتك المضض، بانكشاف أسرار هذا العلم، وبدوها لمن يتدرعه وهو عار منه، ويقرب إليه وهو ناء عنه ويظهر اللطف له والحفاوة، وهو الغاية في الجهل به والغباوة، ومن إذا قامت سوقه بين الرعاع والهمج، فقد علا عند نفسه أرفع الدرج، وأنسي ما عليه في عقوقه العلم ومروقه من جملة حملته، وأشياعه وحفدته، فلولا مكانك لما مكنته من اكتلاء غرره وعيونه، واجتلاء أبكاره وعونه. على أن ما أخذ من هذا الوجه خداعا وحيلة، ومواربة وغيلة، فأحر به ألا يكون عبد الله زاكيا، ولا من داء الجهل شافيا.
جعلنا الله ممن إذا أنعم عليه شكر، وإذا وعظ اعتبر، وجعل ما علمناه خالصا لوجهه، مدنيا من رضاه، مبعدا عن غضبه، فإنما نحن له وبه، والحمد لله، وصلواته التامة الزاكية، الطيبة المباركة، على محمد المرتضى وآله، وهو حسبنا وكفى.
1 / 18
التمهيد ١:
اعلم٢ أن الصوت عرض ٣ يخرج من النفس مستطيلا متصلا، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له٤ حرفا، وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها، وإذا تفطنت٥ لذلك وجدته على ما ذكرته لك؛ ألا تري أنك تبتدئ الصوت من أقصى حلقك، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت، فتجد له جرسا ما، فإن انتقلت عنه راجعا منه، أو متجاوزا له، ثم قطعت، أحسست عند ذلك صدى٦ غير الصدى الأول وذلك نحو الكاف، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره، وإن جزت٧ إلى الجيم سمعت غير ذينك الأولين.
وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحروف، أن تأتي به ساكنا لا متحركا، لأن الحركة تقلق٨ الحرف عن موضعه، ومستقره، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي
_________
١ زيادة ليست في الأصل.
٢ اعلم: أسلوب أمر الغرض منه النصح والإرشاد.
٣ عرض: يظهر ويبرز لسان العرب "٤/ ٢٨٨٦". مادة "ع. ر. ض".
٤ له: الضمير في "له" راجع الي الصوت، وفي عرض: راجع الي المقطع.
وعلى هذا يكون المؤلف قد سمى المقطع هنا حرفا، والمعروف أن المقطع هو مخرج الحرف، لا الحرف، وبالتالي فكلامه لا يستقيم إلا على ضرب من المجاز من باب تسمية المحل باسم الحال، كقولك: انصرف الديوان، والمراد هنا من فيه، مع ملاحظة أن التجوز غير مستساغ في التعريف لأنه ينافي شروطه.
٥ تفطنت: أي صرت ذا فطنة، وفطن للأمر أي تنبه إليه فهو فاطن، وفطن، وفطين.
لسان العرب"٥/ ٣٤٣٧" مادة "ف. ط. ن".
٦ صدى: رجع الصوت يرده الجبل ونحوه، "ج"، أصداء. لسان العرب "٤/ ٢٤٢١".
٧ جزت: جاز الطريق ونحوه أي تعداه وخلفه وراءه. لسان العرب "١/ ٧٢٤".
٨ تقلق: تصوير بليغ حيث يشبه الحركة بأنها مصدر لإزعاج الحرف بحيث تدفعه وتحركه عن موضعه.
1 / 19
بعضه، ثم تدخل عليه همزة الوصل مكسورة١ من قبله لأن الساكن لا يمكن الابتداء به٢، فتقول: اك. اق. أج، وكذلك سائر الحروف، إلا أن بعض الحروف أشد حصرا للصوت من بعضها.
ألا تراك تقول في الدال والطاء واللام: اد. اط. ال. ولا تجد للصوت منفذا هناك: ثم تقول: اص. اس. ار. اث. اف، فتجد الصوت يتبع الحرف. وإنما يعرض هذا الصويت التابع لهذه الحروف ونحوها ما وقفت عليها، لأنك لا تنوي الأخذ في حرف غيرها، فيتمكن الصويت فيظهر.
فأما إذا وصلت هذه الحروف ونحوها مما سنبينه في مكانه، فإنك لا تحس معها شيئا من الصوت كما تجده معها إذا وقفت عليها، وذلك نحو يصبر ويسلم ويزلق ويثرد ويفتح، وإنما كان ذلك كذلك من قبل أن أخذك في حرف آخر وتأهبك له٣، قد حالا٤ بينك وبين التلبث٥ والاستراحة التي يوجد معها ذلك الصويت، وسترى ذلك مخلصا بمعونة الله.
فإن اتسع مخرج الحرف حتى لا يقتطع الصوت عن امتداده واستطالته، استمر الصوت ممتدا حتى ينفد٦، فيفضي ٧ حسيرا٨ إلى مخرج الهمزة، فينقطع بالضرورة عندها إذالم يجد منقطعا فيما فوقها.
_________
١ مكسورة: الكسر ليس ضروريا، والمهم أن تأتي بحركة قبل الحرف الذي تريد معرفة مخرجه، ولذلك كان الخليل، وهو أسبق من ذاق الحروف ليتعرف مخارجها، يفتح الهمزة قبل الحرف، قال في اللسان "ج١/ ص٧ في المقدمة": قال الليث بن المظفر: كان "الخليل" إذا أراد ان يذوق الحرف فتح فاه بألف، ثم أظهر الحرف، ثم يقول: "أب، أت، أج".
٢ لا يمكن الابتداء به: أسلوب نفي الغرض منه التأكيد على عدم الابتداء بالساكن، واستخدامه للفعل، "يمكن" منفيا يوحي بعدم القدرة والاستطاعة بالابتداء بساكن.
٣ تأهبك: أي استدعاك له. لسان العرب "١/ ١٦٢". مادة "أ. هـ. ب".
٤ حالا: أي حجزا ووقفا مانعا.
٥ التلبث: التريث، ولبث أي مكث. لسان العرب "٥/ ٣٩٥٢". مادة "ل. ب. ث".
٦ ينفد: أي يفنى وينتهي. لسان العرب "٦/ ٤٤٩٥ ". مادة "ن. ف. د".
٧ فيفضي: يسر إليه، أو يخبره، أو يصل إلى لسان العرب "٥/ ٣٤٢٥" مادة "ف. ض. أ".
٨ حسيرا: مكشوفا. لسان العرب "٢/ ٨٦٨". مادة "ح. س. ر".
1 / 20
والحروف التي اتسعت مخارجها ثلاثة: الألف، ثم الياء، ثم الواو، وأوسعها وألينها الألف، إلا أن الصوت الذي يجري في الألف مخالف للصوت الذي يجري في الياء والواو، والصوت الذي يجري في الياء مخالف للصوت الذي يجري في الألف والواو.
والعلة في ذلك أنك تجد الفم والحلق في ثلاث الأحوال، مختلف الأشكال، أما الألف فتجد الحلق والفم معها منفتحين، غير معترضين على الصوت بضغط أو حصر، وأما الياء فنجد معها الأضراس سفلا وعلوا قد اكتنفت١ جنبتي٢ اللسان وضغطته، وتفاج٣ الحنك عن ظهر اللسان، فجرى الصوت متصعدا هناك، فلأجل تلك الفجوة ما استطال٤، وأما الواو فتضم لها معظم الشفتين، وتدع بينهما بعض الانفراج، ليخرج فيه النفس، ويتصل الصوت. فلما اختلفت أشكال الحلق والفم والشفتين مع هذه الاحرف الثلاثة اختلف الصدى المنبعث٥ من الصدر، وذلك قولك في الألف أاْ، وفي الياء إيْ، وفي الواو أُوْ.
ولأجل ما ذكرنا من اختلاف الأجراس في حروف المعجم باختلاف مقاطعها، التي هي أسباب تباين
أصدائها، ما شبه بعضهم الحلق والفم بالناي٦، فإن الصوت يخرج فيه مستطيلا أملس ساذجا٧، كما يجري الصوت في الألف غفلا٨ بغير صنعة، فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة٩، وراوح بين أنامله،
_________
١ اكتنفت: أحاطت، لسان العرب "٥/ ٣٩٤١". مادة "ك. ن. ف".
٢ جنبتي: الجنبة بسكون النون ويحرك، كالجنب: إحدى ناحيتي الشيء لسان العرب "١/ ٦٩١". مادة "ج. ن. ب".
٣ تفاج: تباعد، كتجالى: أي نبا وبعد. لسان العرب "١/ ٦٤٦". مادة "ج. ف. ا".
٤ ما استطال: المؤلف يكثر من استعمال "ما" في مثل هذا التعبير، ويمكن تخريجها على الزيادة أو المصدرية.
٥ المنبعث: المرسل والمندفع. لسان العرب "١/ ٣٠٧". مادة "ب. ع. ث".
٦ بالناي: لفظة فارسية، معناها القصبة، والمراد هنا اليراعة المثقبة التي يزمر فيها"ج" يراع.
٧ ساذجا: خالصا غير مشوب. مادة "س. ذ. ج".
٨ غفلا: ما لا علامة فيه ولا أثر يميزه، والغفل: المادة لم تصنع. "ج" إغفال.
٩ المنسوقة: المتتابعة على نظام، ويقال: ناسق بين الأمرين أي تابع بينها ولاءم ونسقه: نظمه.
1 / 21
اختلفت الأصوات، وسمع لكل خرق منها صوت لا يشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم١، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة.
ونظير ذلك أيضا وتر العود، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل، سمعت له صوتا، فإن حصر٢ آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتا آخر، فإن أدناها٣ قليلا، سمعت غير الاثنين، ثم كذلك كلما أدنى أصبعه من أول الوتر تشكلت لك أصداء مختلفة، إلا أن الصوت الذي يؤديه الوتر غفلا غير محصور، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور، أملس مهتزا٤، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر وصلابته، وضعفه ورخاوته٥، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت من أقصى الحلق، وجريان الصوت فيه غفلا غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا.
وإنما أردنا بهذا التمثيل الإصابة والتقريب، وإن لم يكن هذا الفن مما لنا ولا لهذا الكتاب به تعلق، ولكن هذا القبيل من هذا العلم، أعني علم الأصوات والحروف، له تعلق ومشاركة للموسيقى، لما فيه من صنعة الأصوات والنغم.
فقد ثبت بما قدمناه معرفة الصوت من الحرف، وكشفنا عنهما بما هو متجاوز للإقناع في بابهما، ووضحت حقيقتهما لمتأملها.
_________
١ فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم: تشبيه استعاري حيث يشبه الصوت بشيء مادي يقطع وتشبيه للثنايا التي تعترضه وتقطعه بأنها سكين حاد.
٢ حصر: أحاط به ومنعه من الحركة. لسان العرب "٢/ ٨٩٥". مادة "ح. ص. ر".
٣ أدناها: قربها. لسان العرب "٢/ ١٤٣٥". مادة "د. ن. أ".
٤ أملس مهتزا: تعدد نعت الصوت ووصفه بأنه أملس. مهتز ... يدل علي شدة دقة وصف الصوت حتي يتخيله السامع بناظريه وأذنيه معا وهذا يؤكد الفكرة ويقويها، لما فيها من تشبيه بليغ للصوت كأنه شيء مادي يمكن لمسه.
٥ ضعفه ورخاوته: الجمع بين الضعف والرخاوة يبين هيئة الصوت الناتج نتيجة ضعف الوتر ورخاوته. إذ يختلف بخلاف الصوت الناتج لو كان الوتر غفلا أو محصورا بالأصابع مثلا.
1 / 22
فأما القول على لفظهما، فإن الصوت مصدر صات الشيء يصوت صوتا، فهو صائت، وصوت تصويتا فهو مصوت، وهو عام غير مختص، يقال سمعت صوت الرجل وصوت الحمار، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ .
وقال الشاعر:
كأنما أصواتها في الوادي ... أصوات حج منه عمان غادي١
وقال ذو الرمة، وهو من أبيات الكتاب:
كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج٢
يريد كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا أصوات الفراريج، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجر، لضرورة الشعر، ومثله كثير، إلا أنا ندعه لشهرته، ولأن هذا الكتاب ليس موضوعا له، والميس: خشب الرحل.
_________
١ الوادي: كل مفرج بين الجبال والتلال والإكام "ج" أودية ووديان. لسان العرب "٦/ ٤٨٠٣" حج: "م" حاج، وهو الذي يقصد مكة للنسك.
غادي: المسافر في الغدوة، وهي الوقت ما بين الفجر وطلوع الشمس. لسان "٥/ ٣٢٢٠" وشبه الشاعر صوت الحروف وصداها بأصوات الحجيج التي تؤدي النسك وصدى صوتها بين الوديان والتلال. والبيت لم ينسبه المؤلف إلى قائله، ولم نجد له نسبة في جمهرة ابن دريد ولا في اللسان في "حج".
٢
كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج
إيغالهن: الإيغال الإمعال في السير بين ظهراني الجبال، أو في أرض العدو، ويقال: أوغلوا وتوغلوا وتغلغلوا.
الميس: شجر عظام حرجي للتزيين، من الفصيلة البوقيصية له ثمر أسود صغير حلو تأكله الطير وفي لحائه وجذوره مادة صفراء صبغية، وخشبه قوي تصنع منه مصنوعات النجارة ومنها الرحال، وإذا كان شابا فهو أبيض الجوف، فإذا تقادم اسود فصار كالأبنوس، ويغلظ حتى تتخذ منه الموائد الواسعة ويقصد به هنا في البيت خشب الرحل، لسان العرب "٦/ ٤٣٠٨".
الفراريج: "م" فروج وهو فرخ الدجاج. لسان العرب "٥/ ٣٣٧١" مادة: "ف. ر. ج".
ويشبه الشاعر أصوات أواخر الرحل "الميس" في محاولتها العدو والإيغال لتلحق بأول الرحل كأنها أصوات الفراريج.
والميس كناية عن الرحل المصنوع من شجر الميس.
1 / 23
ومن مسائل الكتاب: "له صوت صوت حمار"١.
ويقال: رجل صات أي شديد الصوت، وحمار صات، كما يقال رجل مال: كثير المال، ورجل نال: كثيرا النوال، وكبش صاف: كثير الصوف، وبئر ماهة: كثيرة الماء، ورجل هاع٢ لاع٣، وامرأة هافة لاعة، ورجل خاف ويوم طان٤. راح٥: كثير الطين والريح، وتقدير هذه الأوصاف كلها عندنا: "فعل" مكسورة العين. قال النظار الفقعسي٦:
كأنني فوق أقب سهوق ... جأب إذا عشر صات الإرنان٧
_________
١ "له صوت صوت حمار": هذه العبارة وردت في كتاب سيبويه في باب "ما ينتصب فيه المشبه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره" قال: "وذلك قولك: مررت به فإذا له صوت صوت حمار، ومررت به فإذا له صراخ صراخ الثكلى.
وقال الشارع: وهو النابغة الذبياني:
مقذوفة بدخيس النحص بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد
٢ هاع: واضح بين، والمهيع الواضح أيضا، "ج" مهايع.
٣ لاع: أي احترق من شدة الشوق والحب.
٤ طان: أي كثير الطين. لسان العرب "٤/ ٢٧٣٩". مادة "طين".
٥ راح أي شديد الريح. لسان العرب "٣/ ١٧٦٤". مادة "روح".
٦ الفقعسي: نسب ابن جين هذا البيت إلى النظار الفقعسي، ووافقه صاحب اللسان في هذه النسبة في "صوت" "٤/ ٢٥٢١"، ولكنه خالفه في "سهوق" "٣/ ٢١٣٤" فنسبه الي المرار الأسدي وكلاهما شاعر إسلامي.
٧ أقب: الأقب الرقيق الخصر، الضمر البطن، لسان العرب "٥/ ٣٥٠٧". مادة "قبب".
سهوق: الطويل من الرجال وغيرهم. لسان العرب "٣/ ٢١٣٣، ٢١٣٤". مادة "سهق".
الجأب: الحمار الغليظ من حمر الوحش، "ج" جؤوب. لسان العرب "١/ ٥٢٧".
عشر: من التعشر وهو بلوغ العشرة.
والمراد: أن يتابع النهق عشر نهقات، ويوالي بين عشر ترجيعات في نهيقه. لسان "٤/ ٢٩٥٤".
صات: الشديد الصوت. لسان العرب "٤/ ٢٥٢١". مادة "صوت".
الإرنان: الشديد لسان العرب"٣/ ١٧٤٦". مادة "رنن".
والشاعر يصف الحمار الوحشي الذي يركبه بأنه رقيق الخصر ضامر البطن طويل، غليظ قوي الصوت إذا عشر كان له صوت شديد قوي، والشاهد في قوله "ص. أ. ت".
إعراب الشاهد: صات: نعت مجرور على الاتباع وعلامة جره الكسره.
1 / 24
فأما قولهم لفلان صيت إذا انتشر ذكره في الناس، فمن هذا اللفظ، إلا أن واوه انقلبت ياء لانكسار الصاد قبلها، وكونها ساكنة، كما قالوا ريح من الروح، وقيل من القول، وكأنهم بنوه على فعل، للفرق بين الصوت المسموع، وبين الذكر المتعالم، على أنهم قد قالوا أيضا: قد انتشر صوته في الناس، يعنون به الصيت١ الذي هو الذكر، والصيت في هذا المعنى أعم وأكثر استعمالا من الصوت، ولا يستعمل الصيت إلا في الجميل من الذكر، دون القبيح.
والصوت مذكر، لأنه مصدر بمنزلة الضرب والقتل والغدر والفقر.
فأما قول رويشد بن كثير الطائي:
يأيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت٢
فإنما أنثه لأنه أراد الاستغاثة، وهذا من قبيح الضرورة، أعني تأنيث المذكر؛ لأنه خروج عن أصل إلى فرع، وإنما المستجاز من ذلك رد التأنيث إلى التذكير، لأن التذكير هو الأصل، بدلالة أن "الشيء" مذكر، وهو يقع على المذكر والمؤنث.
فعلمت بهذا عموم التذكير، وأنه هو الأصل الذي لا ينكسر.
ونظير هذا في الشذوذ قوله، وهو من أبيات الكتاب:
إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبي اليتيم٣
_________
١ الصيت: انقلبت الواو ياء لانكسار الصاد قبلها
٢
يا أيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت
هذا البيت لرويشد بن كثير الطائي، ذكره صاحب اللسان "٤/ ٢٥٢١".
المزجي: السائق برفق، يقال: الريح تزجي السحاب: أي تسوقه سوقا رفيقا. لسان "٣/ ١٨١٥".
والصوت: الجرس الذي يحدث من اصطدام جسم بآخر، فتحمله موجات الهواء إلى الأذن، وهو مذكر، وإنما أنثه الشاعر هنا لأنه أراد به الضوضاء والجلبة أو الاستعانة.
وابن جني قبح هذا الشاهد الذي يتم فيه تأنيث المذكر لأنه خروج عن أصل إلى فرع، وأجاز العكس أي رد التأنيث إلى التذكير لأن التذكير هو الأصل.
إعراب الشاهد:
الصوت: خبر مرفوع.
٣
إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبي اليتيم
1 / 25
وهذا أسهل من تأنيث الصوت قليلا، لأن بعض السنين سنة، وهي مؤنثة وهي من لفظ السنين، وليس الصوت بعض الاستغاثة ولا من لفظها، ونظائر هذا كثيرة، وفيه وجه آخر، وهو أنه أراد الأصوات، أخرجه مخرج الجنس، لأنه مصدر، والمصادر قلما تجمع، كما تقول قوم صوم وزور وضيف.
ومنها ما حكاه الأصمعي عن أبي عمر بن العلاء، أنه سمع بعض العرب يقول -وذكر إنسانا، فقال: فلان لغوب- جاءته كتابي، فاحتقرها.
فقلت له: أتقول: جاءته كتابي١؟ فقال نعم: أليس بصحيفة؟ فقلت له ما اللغوب؟ فقال: الأحمق، ومثله قول لبيد:
فمضى وقدمها كانت عادة ... منه إذا هي عردت إقدامها٢
قالوا: أنث الإقدام لأنه ذهب بها إلى التقدمة.
_________
البيت لجرير يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان.
انظر/ خزانة الأدب الكبري للبغدادي "٢/ ١٦٧".
تعرقتنا: أكلت لحومنا، ويقال: عرق العظم: إذا أكل ما عليه من اللحم. لسان "٤/ ٢٩٠٦" والشاهد فيه: تأنيث السنين.
ويري ابن جني أنها أسهل قليلا من تأنيث الصوت لأن بعض السنين سنة.
إعراب الشاهد: السنين: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه ملحق بالجمع المذكر السالم.
١ جاءته كتابي؟: استفهام الغرض منه التأكيد على جواز أن يؤنث المذكر، بحيث إن الكتاب صحيفة فجاز تأنيثه.
٢
فمضى وقدمها وكانت عادة ... منه إذا هي عردت إقدامها
التعربد: التأخر وسرعة الذهاب في الهزيمة والفرار. لسان العرب "٤/ ٢٨٧٢". مادة "عود". الإقدام: بمعنى التقدمة، ولذلك أنث فعلها، فقال: "وكانت" أي وكانت تقدمة الأتان عادة من العير إذا تأخرت هي أي خاف العير تأخرها.
والشاهد فيه: تأنيث الإقدام.
وإعراب الشاهد:
إقدامها: إقدام: فاعل مرفوع بالفاعلية وعلامة رفعه الضمة الظاهرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.
1 / 26