171

Sirr Maktum

السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم ويليه جواب في الجمع بين حديثين، هما: دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك بكثرة المال والولد، وحديث دعائه بذلك على من لم يؤمن به ويصدقه

Publisher

مكتبة وتسجيلات دار الإمام مالك

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م

Publisher Location

الإمارات العربية المتحدة - أبو ظبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= - وحكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع! فأسرف، ولذا تعقبه الزركشي، والسيوطي، وغيرهما. - والصواب فيما ظهر لنا من خلال جمع طرق الحديث أنه حسن لغيره، وهذا أدنى أنواع الحديث الذي يستدل به، ويقبل الاحتجاج، وينسب إلى النبي ﷺ بصيغة الجزم، والله أعلم. يبقى بعد هذا كله: الكلام على معنى المسكنة الواردة في الحديث، وقد بيّنها جماعة من العلماء، وإليك أقوال بعضهم: - قال الداودي في «الأموال» (ص ٣٤٨) بعد سياق الحديث: «فإن ثبت هذا في النقل، فمعناه: أن لا يجاوز به الكفاف، أو يريد الاستكانة إلى الله -تعالى-» . - وقال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (١٨/٣٨٢) في شرحه لهذا الحديث: «فالمسكين المحمود هو: المتواضع الخاشع لله، ليس المراد بالمسكنة عدم المال، بل قد يكون الرجل فقيرًا من المال، وهو جبّار، فالمسكنة خُلُق في النفس، وهو التواضع والخشوع، واللَّين ضد الكبر ...» . - وذكر ابن الأثير في «النهاية» (٢/٣٨٥) هذا الحديث، وقال في شرحه: «أراد به التواضع والإخبات، وأن لا يكون من الجبّارين المتكبرين»، ثم وجدت هذا المعنى عند الخطابي في «شأن الدعاء» (ص ١٩٤- ١٩٥) . - وبنحو هذا قال تاج الدين السبكي، فنقل عنه ابنه في «طبقات الشافعية» (٣/١٣٤) ما نصه: «وكان ﵀ يقول في قوله ﷺ: «اللهم أحيني مسكينًا»: إن المراد به استكانةُ القلب، لا المسكنة التي هي أن يجد ما لا يقع موقعًا من كفايته. وذكر ذلك في باب الوصية من «شرح المنهاج» وسمعتُه منه كذا وكذا مرات، لا أُحصي لها عددًا» . ثم عقّب عليه بما يُؤيّده بكلامٍ بليغٍ حسن، فقال: «وكان ﵀ يشدّد النكير على من يعتقد ذلك، والحق معه ﵁ فإن من جاءت إليه مفاتيح خزائن الأرض، وكان قادرًا على تناول ما فيها كلّ لحظةٍ، كيف يوصف بالعدم؟ ونحن لو وجدنا من معه مال جزيل في صندوق من جوانب بيته، لوسمناهُ بسمةِ الغَناءِ المفرط، مع العلم بأنه قد يُسرقُ أو تغتاله غوائلُ الزمانِ، فيُصبح فقيرًا، فكيف لا يُسمّى من خزائن الأرض بالنسبة إليه أقرب من الصندوق بالنسبة إلى صاحب البيت؟! وهي في يده بحيث لا تتغيّر، بل هو آمن عليها، بخلاف صاحب الصندوق، فما كان ﷺ فقيرًا من المال قط، ولا مسكينًا. نعم، كان أعظم الناس جؤارًا إلى ربه وخضوعًا له، وأشدَّهم في إظهار الافتقار إليه، والتّمسكُن بين يديه» . =

1 / 182