Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genres
حتى إذا ما تحقق اللقاء بينه وبين ابن ملك ملوك الفرس بهرام، أقسم له الأخير بشرفه ولحيته بعدم معرفته بمصير ابنه وما إذا كان مختطفا أو مقتولا، وأنه فعل المستحيل في هذا الصدد دون طائل.
ودخل الملك سيف بن ذي يزن، عاصمة بلاد الفرس - أصفهان - في ذلك الوقت، وكانت عروس مدن الشرق التي هبت عن بكرة أبيها لاستقباله، فقد سبقته شهرته التي عمت الآفاق.
وأقام بهرام حفلة كبيرة لتكريم بن ذو اليزن، قدم له فيها ابنته - مهردكار - وكانت بادرة الجمال متوقدة الذكاء، فلم يجد الملك سيف مهربا من تقبلها كزوجة وفقا للظروف والشروط التي كانت تملي الزواج السياسي، والذي كان من أهدافه، بناء جسور الثقة بين المتحاربين.
وجرت احتفالات الزواج، والملك سيف نهبا لخواطره وأحزانه حول مصير ابنه دمر، وتلك الأمراض التي حلت بزوجته ورفيقة صباه وجهاده «شامة» نتيجة أحزانها الجارفة، وما انتهى إليه أمرها.
أما زوجته الجديدة - مهردكار - ابنة بهرام، فقد حاولت جاهدة منذ انتقالها إلى قصر الملك سيف، التقرب منه وملاطفته لإخراجه من أحزانه وهواجسه، دون أن تحقق ظفرا يذكر برغم جمالها المتوقد الطاغي، وبرغم معرفتها الواسعة بتاريخ التباعنة، بل وبلغه العرب القدماء وأشعارهم ومآثرهم.
وكانت ثقافتها هذه نتيجة لدراستها - المنظمة - العليا للعربية وآدابها ولهجاتها، وخاصة اللغة السبئية، لغة حضرموت التي نشرها الملوك اليمنيون - المعروفون بالملوك السكاسك في الحبشة وغرب أفريقيا - وهي بذاتها اللغة أو اللهجة التي يمارسها نطقا وكتابة الملك سيف.
فكانت مهردكار تبعث إليه بين وقت وآخر ببضعة أبيات من أشعارها أو كتاباتها وخواطرها مدونة باللغة السبئية ومزينة بالرسوم والأشكال والزخارف الفارسية - المنتور - لعل الملك يلاحظ ما بها من تأجج إليه.
إلا أن أحزان الملك سيف التي أغرقته من كل جانب نتيجة لما حل بابنه دمر من حبيبة صباه المبكر شامة، وما انتهى إليه أمرها، من تدهور سريع لصحتها الجسدية والعقلية، أنسته كل شيء، خاصة ما وصل إلى سمعه عن آخر أخبارها وهي تتنقل ما بين مصر وبلادها - أفراح - المتاخمة لحدود الحبشة ... ثم بانياس، دون أن تغفل لحظة عن البحث عن ابنها المفقود - دمر - ومصيره ذاك المبهم الغامض:
أين ... ولدي ... أين؟
ولقد حاولت مهردكار بنفسها في أكثر من مساء مفاتحة الملك عن أحزانه تلك، في محاولة منها لاستشفاف مكنون أمره وأغواره الدفينة، وهل هذا الحزن الثقيل بسبب افتقاده لابنه، أم بسبب تدهور حالة زوجته - شامة - وما أصابها من خبل يصل إلى حد الجنون المطلق.
Unknown page