Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genres
أومأ حسان لوالده منسحبا، مستديرا باتجاه باب القاعة، لتقع عيناه على شقيقه الأصغر «عمرو» الذي بدا مأخوذا مكفهرا من هول احتضار الوالد التبع.
توقف حسان في مواجهته كمن يستطلع تعبيرات وجهه قائلا لنفسه: «أتراه كان يسمع متلصصا ما جرى بيني وبين أبينا.»
وحين حاول عمرو الإفلات من نظراته والدخول مستطلعا حالة أبيه، اعترضه حسان مستديرا مشيرا إلى غطيطه الذي ارتفع شخيره قائلا له: دعه ينام.
وهنا اندفع الأمير حسان كالتائه الغائب عن وعيه، من هول تلك اللحظة التي كأنها دهر بحاله، والتي أنصت فيها إلى وصية والده «التبع المتجبر» متجولا وحده داخل ردهات القصر الشاهقة، مبعدا عنه كل من حاول الاقتراب منه مستفسرا عن حالة الملك من أمراء وشيوخ قبائل ومستشارين.
كان كل ما يشغل بال حسان ويستولى على كل فكره وخلجاته، تلك المهام الجسام التي ستلقى على كتفيه والتي تتهاوى تحت ثقلها هامات أعلى الجبال قبل الرجال، وهي أن ينام الليل ويصحو، آخذا مكان أبيه في قيادة تلك الجموع المتنافرة، من قبائل وأقوام، وأن يقتل ويغتال في وضح النهار دون أدنى رحمة.
تساءل: كيف؟
وهو الذي حاول جاهدا طويلا الابتعاد عن شهوة الحكم والتسلط، منشغلا بقراءاته وأسفاره البعيدة، لكن دون طائل.
أعاد مسترجعا كلمات أبيه، وذلك الوجه القبيح الكئيب، لسيدة جبل ضهر، كيف له أن يسلم أمره أو قياده لامرأة متوحشة قاسية الملامح، تقبع داخل كهفها أو جحرها كمثل حية رقطاء، «تتغذى بمخ البشر»، كما يقولون.
وكيف له أن يتقبل وصاياها ونصائحها. - كارثة.
وقبل أن يفيق حسان من طلاسم أفكاره كانت الأصوات النائحة قد ارتفعت من كل جنبات القصر تندب موت والده التبع أسعد.
Unknown page