Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genres
كانت على معرفة واسعة بجزيرة العرب شمالا وجنوبا، وما يعتمل فيها من أحداث وصراعات وهجرات قارية وحروب ومنازعات قبائلية وعرقية وعشائرية.
بل هي استفاضت معه الليالي إثر الليالي، أو خلال رحلاتهما معا للصيد والقنص والتريض واللهو عبر بساتين وقلاع وحصون «أحمرا»، وما بدأ يستجد حولها من مدن ومضارب وليدة، يتحادثان معا حول تاريخ جدوده التباعنة وسيرهم وأخص سماتهم وحروبهم وغزواتهم وشعائرهم ومآثرهم وما قيل فيهم من أشعار ومراث أو قبوريات، بدءا من جدهم السالف «يعرب» الذي ينسب إليه أنه كان أول من تكلم العربية، «قبل حادث بناء مدينة بابل وبرجها الكبير، وتبلبل الألسنة بها»، وبها - أي بالعربية - نطقت بقية القبائل؛ مثل: عاد وثمود وطسم وجديس - قوم زرقاء اليمامة - والعماليق ورائش.
واستفاضت معه قمرية مطولا خاصة عن مدينتي عاد وثمود، اللتين يسميهما الأحباش مدينتي مرقسيا وبرجيسيا، وكيف أنهما كانتا عامرتين؛ إذ كان لكل مدينة عشرة آلاف باب.
وكانت قمرية على دراية معجزة بالأنساب العربية - بل وغير العربية من أعجمية - بدءا من أبناء يعرب ملوك سبأ، وكان أولهم الملك التبع عبد الشمس بن سبأ، الذي سمي سبأ؛ لأنه كان يسبي أعداءه، ومن نسله انحدر ملوك حمير وكهلان، ومن كهلان جاءت أشهر بطونها، قبائل الأزد، الذين تفرقوا عقب خراب سدود اليمن، وكان أهمها سد مأرب، وسد الخانق بصعدة وسد ريعان الذي أعاد بناءه الملك ذو اليزن قبل مجيئه إلى هذه البلاد، وسد سنان وعنس وجيرة، بالإضافة إلى بقية السدود التي أعاد الملك ذو اليزن بناءها أو تعليتها أو مضاعفة منسوباتها من المياه، مثل سدود: «سحر وذي سمال، وذي رعين، ولحج، ومفاضة، وهران، والشبعاني، والمنهاد، ولطاف.»
كان أكثر ما يثير إعجاب الملك التبع ذو اليزن في قمرية، هو قدرتها الخارقة على حفظها الدقيق للمراحل التاريخية الغابرة، لمثل هذه السدود والمنشآت المائية التي أسهم في بنائها أو ترميمها ذو اليزن، مضيفة الكثير من المعارف والمعلومات التي غابت عنه - كبناء - قبل أن يكون متبحرا بخلفيتها التاريخية.
وهكذا أفاضت معه قمرية في الحديث حول ثلاثة وثلاثين سدا، لدرجة دفعت به إلى إعادة الاهتمام والتحقيق من كلامها بإرسال رسله لاستكمال العمل في بعضها حتى إنه أطلق على أحدها سد قمرية.
حتى إذا ما تعرج الحديث بينهما حول منحى آخر جديد، تزايد إعجاب الملك بها، خاصة في مخزون معلوماتها ومعارفها عن معتقدات العرب الغابرة أو المندثرة مثل الموحدين وغيرهم، وأهمهم الشاعر أمية بن أبي الصلت وخالد بن سنان العبسي، والشاعرة طريفة، والشق بن أنمار، وإسماعيل بن ثابت بن قيدار، والحارس بن معاف، والأخير هو القائل عقب هزيمة قبائل جرهم أو الجراهمة لقومه:
وكنا ولاة البيت من بعد ثابت
نطوف بذاك البيت والعز ظاهر
وصرنا أحاديث وكنا بغبطة
Unknown page