على ظهر حمرا ليس يوجد مثلها
أنا فوقها قوم أصيل عنيد» «ثم إن الأمير حسن أمر الجازية أن تنتخب في الحال مائة بنت من خيار البنات الأبكار اللواتي يشبهن الأقمار، فحضرت بهن عند أخيها، وقالت له: ماذا تريد أن أفعل؟ قال: تذهبي مع البنات ومع الأمير عقل إلى ساحة الميدان، وتنشدونه الأشعار الحسان كما فعلتم مع غيره، حتى يتحمس على قتل السركسي بن نازب. فلما سمعت الجازية كلامه، قالت: كيف نذهب مع عقل، وهو ولد صغير السن؟! أليس هو صغير السن والقتال؟! إذا كان أبو زيد ودياب لم يقدروا على السركسي، فكيف يقدر هذا الصبي؟! وربما يأسرنا السركسي وتبقى معيرة بين الأعادي.» «وفي الحال ركبت العماريات أمام الفرسان والأبطال، واعتقلوا بالرماح والنصال، وقصدوا ساحة القتال.»
وهكذا لعب هذا الأمير الشاب الجديد عقل دورا في إنقاذ التحالف القبلي في فلسطين، بصموده أمام جحافل جيش السركسي، وإمداداته التي رجحت كفة قواته عليهم.
وأما بنو هلال فإن الأمير حسن بعد رجوعه إلى المضارب دعا الأمراء لهم: «نحن رجال قصدنا الوصول إلى تونس الغرب، لنخلص أسرى الزناتي خليفة بالحرب، والرأي عندي الآن أن نهجم في الصباح بالأبطال والفرسان، ونحارب أعداءنا حتى نبلغ الآمال، ونسير بالعجل من هذه الأطلال، ويركب الأمير دياب في بني زغبي الشجعان، والقاضي بدير، والخفاجي عامر مع الأمير زيدان الرياشي مفرج وعرندس الألزعي والأمير عقل يقصدون الميدان والأمير أبو زيد يركب في بني زحلان، ويقصدون أبواب غزة بعد حضور السركسي إلى الميدان .» وهكذا تم الاتفاق. «هجم الأمير عقل وزيدان، واقتلعوا السركسي من ظهر الحصان، وارتقاه بالسلاسل والقيود، وأخذاه إلى الخيام، وبلغوا المقصود، ولما بلغ أبو زيد هذا الخبر فرح.» «وهكذا دخلت بنو هلال غزة بقلوب معتزة، فغنموا الأموال، وخلصوا صباياهم من الاعتقال. وفي اليوم الثاني أقبلت أهالي البلد والأكابر والعمد، وطلبوا من الأمير حسن الأمان، فأجابهم إلى ذلك، وأرسل مناديا ينادي بالأمان الاطمئنان، فاستكنت الأحوال، واستبشر بنو هلال، ثم حشرت قواد الفرسان والأمراء عند الأمير حسن، فشكرهم وغمرهم بالعطايا ثم أحضروا عقل، وأكرموه على ما أبداه من الحرب والصدام، وقلده الأمير حسن مقام الأمراء العظام، وألبسه سيفا مرصعا بنفيس الجواهر.» «فتقدم الأمير زيدان شيخ الشبان، والتمس من الأمير حسن أن يأمر بعمل عرس لأولاد الأمارة الذين حان وقت زواجهم، حيث تمت الحروب، واسترحنا من الشدائد، وركبت أولاد الأمارة فوق الأمهار والأبراش، وعملوا عراضة عظيمة، وبعده عملوا عرسا بالمسرات، رقصت أمامهم النساء والبنات أيام.» «وأحضروا السركسي مقيدا بالأغلال وهو صامت، وأدخلوه عند الأمير حسن يطلب العفو، وكان الأمير أبو زيد عن يمينه والأمير دياب عن شماله، فهدده الأمير دياب بالعقاب والانتقام على ما جرى، فحينئذ طلب منه العفو والأمان، وقال: يا دياب يا شتي هو سبب الأذية والضرر، وكان سببا لسبي النساء.» «فأمر السلطان حسن بإطلاق الأغلال عنه، وقال: يا سركسي العفو عنك إذا حفظت الشرائع الملوكية، وهي أوصيك بمحبة الله، وحفظ شرائعه ووصاياه ما دمت على قيد الحياة، ولا تكون لحوحا في الكلام، ولا مدمنا لشرب، بل حافظا لزمام الاحتشام، متخلقا بأخلاق الكرام مع الخاص والعام، متجنبا كلام الهزء والهذيان، واقيا نفسك من عثار اللسان؛ لأن سدود الأحرار قيودها، فمن صان نفسه ملك أمره، ومن باح لم ينجح. وزاد: واحذر يا سركسي من النساء الأشرار، فإن مكرهن عظيم، وخطواتهن تؤدي إلى قاع الجحيم؛ لأنهن أصل الأذى والضرر، وهن أغدر من كل إنسان، وإياك أن تغفل عن أحوال الرعية، وتتعدى القواعد الهلالية، وتخلف قوانين وشرائع الملوكية، بل سالكا الطريق المرضية، معاملا الكبير والصغير بالسوية، رافعا لشكوى المظلوم حجابك، فاتحا في وجهه بابك، واضعا الأشياء في محلها والمناصب في يد أهلها، ولا سيما ولاة الأنظار وأرباب الوظائف الكبار، فينبغي أن يكون هؤلاء الرجال من خواص العيان ومن أهل الفضل، فإذا كانوا على هذه الحالة تستقيم أحوال الرعايا، وينشر العدل في كل مكان، فترى الذئاب مع الغنم، وتبات العصافير في الرخم.»
وهكذا استتب الأمر لبني هلال في القدس وغزة، عقب وصايا السلطان حسن لحاكمها، وما إن دقت طبول الرحيل، حتى وقعت حادثة جديدة للأمير جابر والد زوجة أبي زيد العالية.
حيث تمكن أحد أمراء الشام وفلسطين، ويدعى البردويل بن راشد حاكم العريش، من قتله «بوسط عكا»، وسبى العالية زوجة أبي زيد، إلا أنه تمكن من قتله، واسترداد زوجته التي سباها ملك العريش، واتخذت الهجرة الجماعية طريقها إلى مصر.
الهلالية في مصر
ويبدو أنه عن طريق العريش، وعبر برزخ السويس قدمت جحافل الهلالية المهاجرة الغازية إلى مصر - العليا - مرورا منها إلى ليبيا وتونس؛ لتحط رحالها في أرض تونس الخضراء، بحجة تحرير أسراهم «يونس ومرعي ويحيى» الذين احتجزوا بسجن القصر المنعزل البديع المطلي بالرصاص، للأميرة سعدى ابنة حاكم تونس وفارسها الزناتي خليفة.
وعندما وصلت الهلالية إلى مصر، كان قد مضى سبع سنوات على احتجاز الأمراء الهلاليين الثلاثة، وإيداعهم سجن سعدى، التي أحبت - الأوسط - مرعي إلى حد العشق.
هكذا يخبرنا الرمال المنجم الذي استقدمه حاكم مصر في ذلك الحين، ولقبه «فرمند مصر»، الذي رأى حلما أرعبه:
Unknown page