بل الملفت أن كليهما - أبا زير وكليب - اتخذ ذات الاسم للمهرج قشمر.
ويبدو أنها عادة عربية سامية راسخة ، تتمثل في شعائر التوحد أو التنكر تحت جلود الحيوانات الطوطمية، فهي منتشرة بكثرة في معظم ملاحمنا وسيرنا العربية، كما أنها منتشرة لدى قبائل إفريقيا الشرقية، ويذكر فريزر أنها «لعبت دورا مهما في الحياة الاجتماعية والدينية عند قبائل «أكيكويو» التي تسكن إفريقيا الشرقية، والتي ترجع فيما يبدو إلى أصل عربي.»
6
فالمعتقد هنا بالنسبة لشعيرة التنكر تحت جلد الحيوان، واكتساب صفاته وقواه الخارقة، فالشخص أو البطل الشعبي بارتدائه جلد الحيوان يطابق بين شخصه والحيوان الضحية، والذي يكون بمثابة الحاجز بينه وبين إيذاء القوى الشريرة، بتخليصه من هذه القوى الغريبة حتى لا تتملكه، عبر شعائر التحولات والتمثل بالمولود الجديد من الجدي إلى النعجة والكبش والذئاب في حالة المتنكر، باكتساب خصائصها من وداعة وافتراس، كذلك كثيرا ما تنكر أبو زيد في زي النساء، من غواز ودلالات وقابلات ومومسات، خاصة حين تحايل برفقة الجازية وبقية عذارى بني هلال على بواب تونس؛ ليسمح لهن بالدخول، وطوره النسائي وأغانيه الأنثوية؛ لاكتساب موافقة صاحب الباب أو القفل الذي كان قد شدد عليه الزناتي خليفة بعدم فتح بوابات تونس.
الريادة
تعد سيرة بني هلال، وتغريبتهم، ورحيلهم إلى بلاد الغرب - المغرب العربي - وحروبهم مع الزناتي خليفة، وما جرى لهم من الحوادث والحروب المخيفة، بحسب وصف الطبعات المتعاقبة على نصوصها، مدونة كانت أو شفاهية، أهم أنموذج واضح لسير الأنساب القبائلية، أو لذلك التحالف العشائري الذي لم يقتصر بحال على عرب الجزيرة، بقسميها الشمالي القيسي، في نجد والحجاز، وجنوبها القحطاني في عدن وحضرموت والجنوب اليمني العربي بعامة. فالسيرة ذاتها لا تغفل هذا الدور في التأريخ لرءوس وممثلي وشخوص ذلك التحالف، منذ الإلهة الأنثى القمرية «شمة» وسليلتها الجازية أو الغازية، وأخيها رأس التحالف المعدي القيسي، حسن بن سرحان سلطان الهلالية، وأبنائه، يونس ومرعي، ويحيى، وفارس بني هلال أبو زيد الهلالي سلامة.
ثم عرب الجنوب اليمنيين وفارسهم هنا دياب بن غنم، الذي تعارف عليه جماهير السيرة بالزغبي، مرورا بمن اجتذبتهم الهجرة الجماعية الزاحفة لتلك القبائل المتحالفة عبر التغريبة تحت شارة أو شعار الهلال، أحد أطوار الدورة القمرية، وما يستتبعها من أخذ بالتقويم القمري أو العربي (الهجري) وليس الشمس، إلى أيامنا.
فلقد اجتذب عرب الجزيرة عبر زحفهم من أقصى المشرق العربي، بدءا بالخليج العربي إلى مغربه على طول الشمال الإفريقي حتى المحيط ومداخل أوروبا الجنوبية بعامة، الكثير من التحالفات القبائلية من العراق وما بين النهرين والشام ولبنان وفلسطين ومصر، إما بالانضمام للحرب أو بالتضامن الذي يحققه - التزاوج - والزواج السياسي كما سيتضح.
فمنذ الأحداث المبكرة للريادة التي اضطلع بها أبو زيد الهلالي حين حدث جوع في الأرض؛ بسبب انقطاع المطر في نجد ومعظم بوادي الجزيرة العربية، فاصطحب أبو زيد الهلالي ابني السلطان الهلالي حسن بن سرحان، يونس ومرعي؛ لريادة الطريق تمهيدا للهجرة الجماعية إلى تونس الخضراء، وتملكها بتخوتها السبع وقلاعها الأربع عشرة حتى الأندلس.
فنجد الأمراء الهلالية المقنعين على هيئة شعراء جوالين حجازية، ينزلون مضارب الخفاجي عامر حاكم بلاد العراق، الذي سيرافق الهجرة الجماعية بفيالقه المحاربة أيضا، حتى إذا ما نزلوا حلب ثم حماة وحمص وطرابلس حتى دمشق، اجتذبوا قبائل خليفة تمد يد العون لجحافل الجيوش العربية المتحالفة تحت شارة الهلال، الذي سيصبح رمزا موحدا للعالم الإسلامي فيما بعد.
Unknown page