ومن هنا وجدت سعدى مهربها في حب مرعي الأمير المتسلل عدو بلادها الطامع، والسبب - السياسي - الظاهري الذي يسوقه الغزاة الهلاليون لغرض هذا الحصار بالحرب على تونس بحجة الإفراج عن أسراهم الأمراء الثلاثة.
فيبدو أن الأمراء الهلاليين الثلاثة كانوا أكثر إدراكا بصائب بصيرتهم أن سبب هزائم قومهم وقبائلهم الهلالية، هو الانقسام على جبهة القتال وليس غيره، ذلك التصدع الذي نزل بقطبي التحالف بين عرب الجنوب اليمني، والشمال القيسي، ممثلا في الصراع الناشب بين أبي زيد والسلطان من جانب، ودياب بن غانم من جانب مقابل، مما دفع إلى إبعاده لحراسة - البوش - بدلا من قيادة المقدمة.
إنه الصراع الدفين المفضي إلى كل الانقسامات والهزائم، والذي لم تبرأ منه سيرة شعبية عربية، خاصة سيرة الأميرة ذات الهمة، والتي تؤرخ للحروب الإسلامية البيزنطية، والانقسامات على جبهة القتال بين كل من عرب شمال وجنوب الجزيرة العربية، مما دفع بالأمير الشاب الأسير مرعي، ويونس ويحيى للتوسل إلى سعدى، وإرسالها سرا إلى حيث مضارب بني هلال، والإشارة عليهم بأن قاتل أبيها الزناتي خليفة - القدري أو السحرى - ما هو سوى دياب بن غانم.
وبالطبع فإن السبب الدافع إلى مثل هذا التصور الغيبي السحري الذي تسوقه السيرة، مرجعه إلى أن سعدى بدورها، كانت أقرب إلى كاهنة - قمرية - لها دورها المتحقق في المشاركة والشورى السياسية والحربية، أما السبب الأقرب فهو يتمثل في قربها من أبيها الزناتي خليفة، والمعرفة بهواجسه التي مؤداها أن قاتله لا بد وأن يكون على شاكلته: عربيا جنوبيا قحطانيا ... ولا بد وأن يكون في هذه الحالة «دياب بن غانم».
فكلاهما يمني قحطاني.
ومن هنا جاءت المخاطرة الكبرى لسعدى ابنته لتقف في صف أعداء بلادها ضد أبيها الزناتي.
وهي تيمة أو فكرة رئيسية في فولكلورنا العربي السامي بخاصة، والعالمي بعامة للابنة خائنة أبيها، وبالتالي قبيلتها، واستطرادا وطنها وحماها، ومن هنا حق قتلها ولو من جانب حبيبها ذاته.
ففي السيرة المهشمة «الملك معروف ووزيره البين وابنه الشاطر حجازي»:
1
تساعد ابنة البين مغتصب عرش الشاطر حجازي عقب موت والده الملك معروف، حبيبها السجين في أن تسرق له سيف أبيها البين - المحجب - الذي يقتل إلا به، على أن يتزوجها عقب خروجه من سجن أبيها، وقتله واسترداد عرشه.
Unknown page