الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا تقدره الأوهام تمثيلا، ولا تبلغه العقول تحديدا، جل عن التمثيل والتحديد، وتفرد بالتقديس والتحميد، وتعالى في التنزيه والتوحيد، العدل الذي لا يتهم فيما يقضيه، والجبار الذي لا يغالب فيما يبرمه ويمضيه، الذي خضع لعزته المتكبرون، وانقادت لهيبته السماوات والأرضون، ودل بظاهر آياته وبدائع مصنوعاته على مباينته لمخلوقاته، وتعالى في جده وذاته، وقاد العقول مذعنة في حكم الاعتراف والاستسلام منقادة بأشرف قياد، وأسلس زمام بأنه لا محيص لشيء من التسليم لحكمته، والدخول تحت رق عبوديته، ممن ذي لسان ناطق يبرهن عنه بيانا تعيه الأسماع، وذي حالات مختلفات مضطرة للعقول إلى مسالك الإقرار والاتباع.
وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له يناويه، ولا ند له يماثله ويساويه، ولا ضد له يغالبه ويباريه، جل عن المنافرة والمراء، وتعالى عن الأضداد والنظراء.
وأشهد أن محمدا سفير وحيه، وأمينه على أمره ونهيه، أعلن بأوامره صادعا، ووزع بزواجره رادعا، والناس في فتن قد هتن ربابها، وشمخت قبابها، وضربت طنابها، فلم يزل يضرب بالمقبلين على الحق المدبرين عنه، حتى أثقب مصابيح الإيمان، ولجب مسالك البرهان، وقوى دعائم اليقين، وأوضح سنن المرسلين صلى الله عليه ما لمع لامع، وطلع صادع، وندب الحمام الهديل، وتعاقب البكور والأصيل.
أيها الناس إن الدنيا دار سالمها سليم، وظلها سموم، وغضارتها مشوبة بالتكدير، وسلامتها مرقاة للغرور مثمرة للتغرير، فاعقلوا تسلموا من عقابيلها، وارفضوها فقد سمعتم قيلها، وسلكتم سبيلها، وقد رأيتم نزولها رائقة، وأفولها طارقة، كم مغتر بها قد نصحته التجارب، ومخدوع بها قد بصرته العواقب، وجامح قد طرقته النوائب، ومسرور وقد أسمعته النوادب، أخذ الله بأيديكم إلى مراشد الأمور، ورزقنا جميعا التأهب ليوم النشور.
Page 99