نعم فأصدرنا أعزكم الله هذه الكلم المسطورة، والأحرف المزبورة، عجالة ذي أوفاز، وقبسا من مجتاز، ولمعة من بارق، ونبذة من طارق، وغرفة من بحار، وصبابة من تيار، كما شاهد متحملها أحسن الله توفيقه، وأنهج له طريقه حين أزمع الترحال، وشد الرحال في يوم الأربعاء من ذي القعدة سنة ستة وأربعين وستمائة عن نعم صفا بالإقبال مشارعها، وقرن بالسعود مطالعها، وروض بنيل الأماني مكارعها ومرابعها، وحقق من آمال المخلصين دانيها وشاسعها، وأرى قرة العين شاريها وبائعها، وفتح عن أجفان السرى وأصمختها أبصارها ومسامعها، فحمدا له سبحانه حمدا يدر بالمدرار المزيد غمائمه، ويفوح بنهج القبول نوافحه ولطائمه، أسعدت فوائد الزمن بقيام قائمنا باليمن، فصاح طائر آل زيد بن علي على فنن، فليهنكم ماسناه الله وأدناه، وحبانا وإياكم من هذه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، التي نضى الإيمان نقابها، ووصل بعز السعادة أسبابها، وضرب على قواب الغر قبابها، ومد بالتمكين وسيمد وله الحمد أطنابها، [22أ-أ] ولابد من إيداع هذه المكاتبة طرفا من تعريف نعوته وسماته التي حاكت ضياء الغزالة، وأعشت نور ذي الهالة، خذوها قطرة من مطرة، ومجة من لجة، وهاؤم اقرءوا كتابيه، ثم استقروه بجدوة علانية، فليس الخبر كالعيان وما أفلح من مان، هو الإمام المهدي لدين الله أمير المؤمنين أبو الحسين أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبدالله بن القاسم بن أحمد ابن أبي البركات، وهو إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم أشرف التسليم والتكريم، نشأ عليه السلام بين التنزيل والتأويل، ودرج بين التحريم والتحليل، من آباء بررة، وأجداد طهرة، ما بعد هؤلاء الذين سميناهم إلا من نفح عرف الصلاح من ثيابه، واشتد حبائل التقوى بأهدابه، ونسبه كله سلسلة الذهب الصريح، غير المؤتشب بين إمام سابق ومقتصد لاحق، وغصن رائق عن أصل في ذروة المجد باسق، ولما ترعرع غصنا مترعرعا، سلك من وراثة آبائه الأكرمين طريقا متبعا، وسبيلا مهيعا، فلم يزل يتوقل في درج العلم حتى تسنم ذراها، وتفيأ في ظليل دراها، ثم لان له من الغوامض جامحها فأسلس قيادها، ووطأ شدادها، وأعلى نجادها وأسال وهادها، وجاس خلالها، وخاض أعدادها وأوشالها، فهذا علم الكلام وأصول الدين قد قرأ فيه فصل وحصل، ودقق وجلل، حتى وقف منه على المكنون، وجمع أبكاره والعون، ثم أصول الفقه وهو النمط الأوسط بين التصرف العقلي والتحكم الشرعي، فقد جلى جواده في مضماره، وتغلغل في أنجاده وأغواره، وتكشف له دقائق غرائبه وأسراره.
وأما في الفروع فله فيه اليد الطولى، والقدم الراسخة.
وأما الفرضيات فله فيها أوفر الحظ والنصيب، وقد رمى في أعراضها بالقدح القامر والسهم المصيب، وله فيها غوص الباهر الألمعى، وفحص الناظر اللوذعي.
وأما علوم الأدب فقدمت فيها بحبل متين، وتشبث من مبادئ اللغة ومعرفة مفرداتها، ثم معرفة حركاتها وأوزانها إلى حد الكفاية والزيادة، ثم علوم القرآن الكريم، فقد اندرجت تحت هذه وأزاد من وراء ذلك قراءة ما وضعه المفسرون من أهل البيت عليهم السلام، وأشياعهم من علماء الإسلام، فاطلع ذلك الفجاج، وأخذ يقرأ تلك الأدراج حتى أضحى مجاله فيها رحيبا، وجواد حلبته يعسوبا، ثم الآثار النبوية والأحاديث الصحابية، والسير المقتصة فقد أخذ أحدها أخذ مثله، وعلقت بخاطره إلى حد أعوز الطرق مثله وشكله.
Page 69