لها شهب عنها استنارت فنوّرت ... سواد الدّجى حتى تفرّق وانجلى
الشهب جمع شهاب والشهاب في أصل اللغة اسم للشعلة الساطعة من النار، ويقال:
نار واستنار أي أضاء، والدجى الظلم جمع دجية وهي هنا كناية عن الجهل وتفرق تقطع وانجلى انكشف، أي للقراء السبعة رواة أشبهت الشهب في العلو والاشتهار والهداية أخذت القراءة عنهم وعلمتها الناس حافظين سبلها، فأماطت عنهم ظلمة الجهل وألبستهم أنوار العلم.
وسوف تراهم واحدا بعد واحد ... مع اثنين من أصحابه متمثّلا
أي ترى البدور مذكورين في هذه القصيدة على هذه الصفة، أي مرتبين واحدا بعد واحد، فكأنه نزل ظهورهم في النظم سماعا أو كتابة منزلة المتشخص من الأجسام،
والأصحاب الأتباع كما تقول: أصحاب الشافعي وأصحاب مالك. قوله متمثلا أي متشخصا، من قولهم تمثل بين يديه.
تخيّرهم نقّادهم كلّ بارع ... وليس على قرآنه متأكّلا
تخيرهم بمعنى اختارهم، والنقاد جمع ناقد، والبارع الذي فاق أضرابه، والهاء في تخيرهم ونقادهم للبدور السبعة أو للشهب أولهما، أثنى عليهم بالبراعة في العلم ثم أثنى عليهم بالزهد فقال: وليس على قرآنه متأكلا أي بارع غير متأكل بقراءته، يعني أنهم كانوا لا يجعلون القرآن سببا للأكل أشار إلى قوله ﷺ: «لا تأكلوا بالقرآن».
فأمّا الكريم السّرّ في الطّيب نافع ... فذاك الّذي اختار المدينة منزلا
شرع في ذكر البدور السبعة واحدا بعد واحد فبدأ بنافع، وهو نافع بن أبي نعيم مولى جعونة ويكنى أبا رويم، وقيل غير ذلك، وأصله من أصبهان أسود، كان إمام دار الهجرة وعاش عمرا طويلا قرأ على سبعين من التابعين، منهم يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، وعبد الرحمن بن هرمز. وقرءوا على عبد الله بن عباس، على أبيّ بن كعب، على رسول الله ﷺ.
وأشار بقوله: الكريم السر، إلى ما روي عنه من أنه كان إذا تكلم يشم من فيه ريح المسك، فقيل له: أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس؟ قال ما أمسّ طيبا ولكني رأيت النبي ﷺ في المنام يقرأ في فيّ، فمن ذلك الوقت توجد فيه هذه الرائحة. قوله: فذالك الذي اختار المدينة منزلا، المنزل موضع النزول والسكن، يعني أن نافعا اختار السكنى بمدينة النبي ﷺ، فأقام بها إلى أن مات فيها سنة تسع وستين ومائة في خلافة الهادي، وقيل: سنة سبع وستين، وقيل غير ذلك. وله رواة كثيرة ذكر منهم راويين في قوله:
وقالون عيسى ثمّ عثمان ورشهّم ... بصحبته المجد الرّفيع تأثّلا
الأول: هو أبو موسى عيسى بن مينا ويلقب بقالون، قرأ على نافع بالمدينة، ومات بها سنة خمس ومائتين.
الثاني: أبو سعيد عثمان بن سعيد المصري الملقب بورش، ولد بمصر ثم رحل إلى نافع فقرأ عليه بالمدينة، ومات بمصر سنة سبع وتسعين ومائة وقبره معروف في القرافة يزار.
والضمير في قوله:
1 / 9