وهكذا كانت الأحوال المالية لمراد في انتعاش مستمر. والانتعاش يغري بالمزيد منه. والأرقام ليس لها نهاية. فليمض به الطريق ونحن من ورائه نقص أثره ونتنطس أنباءه.
19
في ثورة مايو كان مراد غاية في الحصافة والذكاء، وكان يدري على وجه اليقين لمن سيكون النصر.
فما أسرع ما تنكر لكل المارقين على السلطة العليا للبلاد، وراح بأنف متمرس يبحث عن الأعمدة الجديدة للحكم الجديد.
ولم يهمه في شيء أنه كان يدعو إلى الاشتراكية بكل قوته أيام سيطرة الاشتراكية، وكان في آرائه البرلمانية متحمسا للمذهب الاشتراكي تحمسا يقصر عنه ماركس ولينين وستالين جميعا.
ولم يهمه في شيء الأغراض التي انتهكت، ولا مذبحة 66، 67 لمن أسمتهم بالإقطاع فهو مع كل ما له كان محصنا بآرائه الاشتراكية، وهتافاته المتواصلة للعهد، وأربابه وصلاته الوثيقة بمن كانوا يبقون في الصدارة وتنكره كل التنكر لمن يقصيهم الحكم، ويتخذ منهم موقفا عدائيا، وكأنهم لم يكونوا في يوم من الأيام هم الأقمار الساطعة في دعواته وصلاته ومهرجاناته ومشاربه المائية أو ذات الدخان.
وحين وقعت حرب 67 أوشك أن يشارك النائب الراقص في رقصه لولا بقية هزيلة من حياء.
فقد أدرك أن الهزيمة وإن كانت قد زلزلت العهد زلزالا شديدا إلا أنها لن تقضي عليه، فكان من أوائل من حشدوا الهاتفين، واستأجر عشر لوريات مليئة بالرجال والعصي انتظارا لمهزلة التنازل، وكان يدري كل شيء عن مناورة التنازل والتجميع والهتافات، فلم يترك الفرصة للمشاركة في التمثيلية الفجة التي مثلها العهد بعد الهزيمة النكراء، ولم يعنه في شيء من قتلوا من أبناء مصر مع الأموال الضخام التي سفحت مع الدماء على رمال سيناء.
وفي مجلس الأمة كان أشد المصفقين للنائب الراقص على أشلاء مصر. حتى إذا أراد الله للعهد أن ينتهي كان هو مع العهد الجديد أشد ما يكون تحمسا، وأعلى ما يكون صوتا في الهتاف والتأييد للعهد الجديد.
وقد أدرك العهد أن مراد ممن يمكن الاعتماد عليهم، فما دام رجل قد احترف الهتاف فهو لن ينصرف عنه في سبيل أي شيء، وإنما سيستمر على الهتاف لأن حنجرته لا تستطيع أن تصنع شيئا إلى هذا الهتاف. ولا بد من هاتفين لكل عهد.
Unknown page