وكان مراد سعيدا بهذا التلطف غاية السعادة، مضمرا أن يبلغ أباه بهذه المكانة التي بلغها عند هذا السياسي الكبير.
وفجأة رن جرس التليفون، وجاء الخادم يبلغ فكري بك أن معالي سكرتير الحزب يطلبه على التليفون، وهنا انكشف كل ما كان يكاتمه فكري من ترقب، وهب لا تكاد تسعفه قدماه إلى التليفون.
وتوقف كل من على المائدة من المأكل بل والمشرب.
وعاد سعادة فكري بك وهو معالي فكري بك وزيرا للدولة، وكأنما لم يجد أحدا يفرغ عليه سعادته إلا مراد، فإذا هو يصيح به: أنت فتى ميمون الطالع يا مراد طلبة، وستنال مني هدية عظيمة لأنني طوال فترة الغداء وأنا متفائل بك.
ومنذ ذلك اليوم أصبح مراد مقربا من فكري الذي أصبح باشا، وكان مراد سعيدا بمكانته هذه، وكان يحس أن الباشا يدلله ولا يرفض له طلبا، وعرف أهل الميمونة التي ينتمي إليها والتي يشغل أبوه فيها منصب العمدة هذا المكان الذي بلغه مراد في ساحة معالي فكري باشا، فكانوا كثيرا ما يلجئون إليه ليرجو لهم الباشا فيما يعرض لهم من مشاكل أو تعيينات أو ترقيات أو تنقلات. وكان الباشا يستجيب لرجائه، سواء كان خارج الوزارة أو داخلها.
فرجال هذا الزمان لم تكن الحزبية تقف بين بعضهم البعض أن تقوم بينهم الصداقات، وأن يلبي كل منهم ما يتشفع فيه واحد لدى الآخر مهما يكن أمر الخلاف الحزبي، إلا إذا كان المطلب يضر بالحزب الذي ينتمي إليه صاحب المنصب. وكان المشفع دائما ذكيا فلا يعرض نفسه لمطلب يمس حزب صديقه. فهو الآخر سياسي ويعلم كل العلم ما يجوز الرجاء فيه وما لا يجوز.
وهكذا لم يكن عجيبا أن ينشأ مراد طلبة وفديا متحمسا، ولم يكن بهذا يخالف ضميره، فهو لا يعرف عن حزب الوفد أو غيره من الأحزاب شيئا على الإطلاق حتى يثبت ضميره على شيء أو يخالفه لا شأن له بتاريخ أي حزب أو مبادئه، وفدا كان هذا الحزب أو كان حزبا آخر.
كل ما كان يعنيه أن فكري باشا راشد واحد من وزراء الحزب الوفدي فهو إذن وفدي.
2
كان مراد في العشرين من عمره حين رأى أبوه أن من الخير له ولابنه وللزراعة وللعمودية أن يمكث مراد بالميمونة، ولا داعي لإكمال الدراسة فهو على كل حال سواء نال الشهادة الجامعية أو لم ينلها، كان أمله كله أن يصبح مراد عمدة بعده، وأن يشرف على المائتي فدان اللتين يملكهما.
Unknown page