كن كالذي حذر البيات فلم يزل
يدعو الإله بذلة وتملق
فغدا يقوم من الحفيرة آمنا
إن كان جاهي أخلقته خطيئتي
يدنيك منا عن قريب عاجل
واعلم يا أخي (أن ذكر الله منك) (1) من علامة ذكره لك فاستكثر منه، وإن اكتسابك الطاعة من علامة التوفيق فاستكثر منها، ووقوعك في(الذنوب)(2) الغفلة وكسب الذنوب علامة الخذلان، فاجتنبها، والزهد في الدنيا مما يريح قلبك وبدنك فاطلبه، والتوكل على الله شرف الدنيا والآخرة فالزمه، والموت آت غير فائت فأدم ذكره، والدنيا حانوت الشيطان فاخرج منها، والناس فتنة (فافزع)(3) إلى الخلوة، ويا ليتك يا يحيى تأخذ معنا مما أنعم الله علينا من برد اليقين، وقرار الدعة، ولذة العيش، وصفوة النعم من الباري جل وعز بنصيب إلى آخر كلامه.
وأما كلامة في الحكمة فقد تقدم (ما أغنى عن ذكره)(4)، وأقواله وأفعاله وأفكاره كلها حكمة، وقليل من العلم يحتاج إلى كثير من العمل، لكني أجد بنشر ما عرفته من حكمه لذة ومسره وقرة عين إن -شاء الله تعالى - روى لي تلميذه الفقيه الفاضل علي بن أحمد بن همدان(5) قال:سألت سيدي وشيخي وطريقي إلى الله أي البكاء أعظم بكاء الخوف، أو بكاء (الحب)(6)، أو بكاء الشوق، أو بكاء الفرح؟ فقال: بكاء الفرح لأنه يكون مقرونا بملاقاة المحبوب.
قال: قلت له (يوما)(7): يا سيدي، أي الاسمين أعظم قول العبد: الله الله. أو قول (العبد)(8): أنت أنت.
فقال: قوله: أنت أنت؛ لأن الغيبة على العارف حرام والحضور مرام، فذكر الحاضر مع مولاه بقلبه والغايب بعقله.
Page 274