وبعد: فإن حدثتك نفسك بأنك قد بلغت المراد بعد الجهد في قطع هذه العقبات فاعرض عليها أمورا فإن وجدتها منقادة سلسة فقد بلغت، وهي أن تختار الفقر على الغنى، والشدة على الرخاء، والجوع على الشبع، والألم على الصحة، والذل على العز، والغربة على الأهل، وغير ذلك من المشاق في طاعة الله، وقتل النفس فإنه دين القوم، ويرجى لك أن تكون من الواصلين المتصلين -إن شاء الله تعالى- [فإنك تبلغ، ثم تصل، ثم تتصل -إن شاء الله تعالى-](1). ولما كان الاجتماع من (التابعين) (2) ما لا يخفى، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة))(3) فكيف عند اجتماعهم، (والبناء)(4) على وظائف تكون لهم فيه - إن شاء الله تعالى - أحب أضعفهم حالا في الطريقة إلا ما رحم الله الفقير إلى الله تعالى علي بن عبد الله أن يجعل هذه كالمقدمة لتلك الوظائف التي يختارونها، وذكر تلك الوظائف بعدها ليذكرهم أن يشركوه في صالح دعائهم، فلسان حاله (ونطقه) (1) يقول: قد استوصيت جميع المسلمين بالدعاء، وبما أمكن من القربات في الحياة وبعد الممات، وما أصبنا فيه فالحمد لله، وما أخطأنا فنستغفر الله، والحمد لله، عونك اللهم وصل على محمد وآله، اللهم، بلغنا رضاك، واختم لنابه يا كريم، وجميع المسلمين، واكفنا جميع الأسواء بمحمد وآله، وتلك الوظائف ثلاث: منها ما يرجع إلى الأوقات وهي التى قد ترتبت الليل للعبادة قدر الإمكان، والنهار للصوم قدر الإمكان، ومن صلاة الفجر إلى طلوع الشمس للذكر، وبعده للعلم إلى وقت الضحى، وبعده لحوائج الدنيا (له)(2) ولإخوانه، وبعده القيلولة إلى الصلاة ، وبعده العلم إلى العصر، وبعد العصر للذكر والعلم (أو الحاجة) (3) مما ينوب له أو لغيره من المسلمين، ومنها ما يرجع إلى الأحوال وهي أن لا يختص أحدا بشيء من رياسة الدنيا ولا بشيء (من) (4) جهده، ويكون اللباس الصوف وشبهه والأكل أي شيء كان، ومنها ما يرجع إلى الأشخاص فالواقفون هذا حكمهم، والزائر يكرم ويوعظ، والمريد الوقوف يختبر حاله ثم يعلم، ثم يدخل في الجملة، وضابط الجميع أن لا يشتغل بشيء وهو يقدر على أفضل منه، ولا يقارب شيئا من الدنيا الجايزة وهو يمكنه الصبر عنه. تمت المقدمة والوظائف، -جزاه الله عن إخوانه وعن المسلمين كافة الجزاء الأوفى (وجباه) (5) بالخير كله والحسنى-.
Page 218