إن للضحك تفسيرات عديدة ربما كان أقربها إلى فهمنا أنه يجعل من الشخص أو الأشخاص آلات قد غاب عنها التعقل، فهي تسلك سلوكا آليا، وهذا هو تفسير «برجسون»، ومع أني أجد فيه شيئا من الصدق فإني لا أجد فيه كل الصدق .
فليس شك أن نكات جحا تنطوي على أنه ينطق ويسلك كما لو كان عقله قد غاب عنه فترة ما، كما في قوله - مثلا - عندما رأى جلبابه يطير من حبل الغسيل، بأنه يحمد الله على أنه لم يكن على جسده. والنكتة هنا ساذجة نضحك منها لأننا نحس خطأ جحا وحسبانه شخصه كما لو كان مثل الجلباب سيطير معه إذا دفعته الريح.
ولكن معظم النكات ينطوي على سخرية تعلو على السذاجة، مثال ذلك الصورة الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة بنش الإنجليزية، ذلك أن الإنجليز يصفون الإسكوتلانديين بالبخل، وأيضا ببطء الفهم.
ونحن نجد في الصورة رجلا إسكوتلانديا يلعب التنس، وبعد أن انتهى من الدور أراد أن يعطي غلام الكرة الذي يجلبها له حين تنأى عن ميدان اللعب قروشا، ولكنه لبخله أعطاه شيئا ضئيلا غاظ الغلام الذي أراد الانتقام، فاقترح على الإسكوتلاندي أن يرى بخته من كفه، ونظر الغلام إلى الكف وقال: «أنت إسكوتلاندي» والمعنى هنا أنه بخيل، ووافق الإسكوتلاندي على ذلك، ثم قال الغلام بعد نظرة ثانية إلى الكف: «وأنت أعزب»، ووافق الإسكوتلاندي على هذا القول أيضا، ثم نظر الغلام النظرة الثالثة إلى الكف وقال: «وأبوك أيضا كان أعزب».
والذي يضحكنا هنا جملة أشياء، منها أن الإسكوتلاندي يبدو في الرسم مديد القامة ناضج الرجولة في حين أن الغلام صبي لا يزيد على الثانية عشرة، وإحساسنا بأن الصبي قد غلب الرجل يثير الضحك، وهو يثيره أكثر حين نعرف أن الصبي أخذ من الرجل عوضا عن حقه هذه السبة التي وجهها إليه، ثم نضحك أيضا عندما نجد الإسكوتلاندي مرتبكا بشأن الإجابة الأخيرة، فقد كان ينتظر كلمات حلوة منعشة فإذا به يجد لطمة.
وهنا لا يسعفنا برجسون بتفسيره الآلي للضحك.
الفصل الخامس عشر
الصحافة والرأي العام
حضارتنا القائمة هي حضارة الغرب أي حضارة رأس المال، ومعنى هذا أن كل إنسان حر في أن يقتني ويدخر ثم يشتري العقار ويستغله، ومعنى الاستغلال أن نكسب منه إما بتأجيره كما نفعل في المسكن، وإما باستخدام عمال يعملون فيه بالأجر فنكسب في الحالتين، وكسبنا يعود إلى مال ادخرناه ثم استغللناه، ونعيش بذلك على عمل الآخرين.
وحضارة الغرب الاستغلالية هي التي أدت إلى الاستعمار بكل ما جلبه على السكان في المستعمرات من ظلم، ونهب، وتوحش، ومرض، وفقر، وجهل.
Unknown page